جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

حق الإضراب.. بين الضمانة الدستورية والضوابط القانونية

 

جورنال أنفو – فؤاد خادم

 

يعتبر الحق في الإضراب أحد أبرز تجليات الحرية النقابية، فهو وسيلة وسلاح يلجأ إليه العمال على إثر استنفاد جميع وسائل الإقناع والتسوية وفقا للطرق السلمية.. فهو توقف عن العمل من أجل الضغط على صاحب العمل، لتحسين ظرف العمل، هو ردة فعل لإعادة التوازن لمجتمع العمل.

في المغرب، الإضراب حق دستوري نصت عليه جميع دساتير المملكة منذ عهد الاستقلال، وقبل دستور 2011، كان الفصل 14 هو الحامل لهذا الحق مقرونة بصيغة ” سيبين قانون تنظيمي الشروط والإجراءات اللازمة لتطبيق هذا الحق”.

وقد ظل هذا الشرط الواقف معلقا إلى حين، حيث لم يسبق أن نوقش بشأنه أي قانون تنظيمي أمام البرلمان.

أما دستور2011 الذي نص على حق الإضراب في الفصل 29 منه، فقد جاء مغايرا في شكله وصياغته. فمن حيث الشكل، نص على حق الإضراب في فصل واحد مع سائر الحريات الجماعية، كالاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء السياسي والنقابي، ومن حيث الصياغة، فقد اختفت هذه المرة عبارة سيبين الدالة على المستقبل وتم تعويضها بعبارة سيحدد الدالة على الحاضر ، في إحالته على شروط وكيفية ممارسة هذا الحق الذي يحددها قانون تنظيمي .

وقد ألزم الفصل 89 من الدستور بوجوب عرض الحكومة خلال ولايتها التشريعية الأولى جميع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور على البرلمان قصد المصادقة عليها. وهذا ما أجبر الحكومة على إعداد مشروع القانون التنظيمي رقم “15\97” لتحديد شروط وكيفية ممارسة حق الإضراب على لجنة القطاعات الاجتماعية بتاريخ 2016.9.26 وعلى مجلس الحكومة بتاريخ :2016.7.28 والمجلس الوزاري بتاريخ :2016.9.26 .

وقد خلق طرح مشروع القانون التنظيمي هذا جدلا واسعا بين المركزيات النقابية من جهة والحكومة، ممثلة في وزارة التشغيل والإدماج المهني، وكذا الاتحاد العام لمقاولات المغرب، ولم تسفر سلسلة الحوارات بين الأطراف خلال الفترة مابين 25 يونيو و 2 يوليوز الحالي إلى أية نتيجة، مما دفع بالحكومة إلى تقديم طلب إلى اللجنة البرلمانية المختصة بتأجيل المداولة لهذا المشروع إلى حين.

وحجم الخلاف بين الأطراف متباينة ومتباعدة، فكل طرف ومن زاوية قراءته يرى فيه ما يراه، فقد اعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن مشروع القانون التنظيمي أخد بعين الاعتبار حقوق العمال ومصالح المقاولين على حد سواء، وراعى الاتفاقيات الدولية والقوانين الجاري بها العمل، وأنه لايفرض قيودا على ممارسة حق الإضراب، شريطة استيفاءه لشروط، من قبيل الأخطار وضمان السير العادي للمقاولة، ووضعت تحفظا على المشروع معلقة الموافقة عليه بضرورة إجراء تعديلات على مدونة الشال، خاصة فيما يتعلق بعقود الشغل والتناسبية بين حق الإضراب وضمان حماية المقاولة باستمرارية واستدامة العمل.

أما المركزيات النقابية، فقد أجمعت كلها على أن مشروع القانون التنظيمي، صيغ بشكل انفرادي وبعقلية محافظة، وأنه قانون تكبيلي لحق الإضراب يهدف إلى تجريمه وإعدامه وتوظيف القضاء والسلطات العمومية واستعمال القانون الجنائي بوضع شروط تعجيزية وترهيبية لمنع هذا الحق، ورفضت صيغة التشاور التي اقترحتها الحكومة، واصفة إياها بالصيغة الدخيلة والغريبة في عالم الشغل والاتفاقيات الدولية التي اقترحتها الحكومة وطالبت بالتفاوض وبضرورة سحب المشرع، ومناقشته في طاولة الحوار الاجتماعي، بحضور الحكومة والمركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب.

هذا وقد دخل الاتحاد الدولي للنقابات، وهي أكبر اتحاد نقابي في العالم، يضم 350 مركزية نقابية في 163 دولة ب 370 مليون منخرط على الخط، ووجهت رسالة إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، حيث طالبته بسحب مسودة قانون الإضراب ومباشرة التفاوض الثلاثي في إطار الحوار الاجتماعي كما هو متعارف عليه أمميا.

من جهتها، رفضت الحكومة كما جاء على لسان وزير الشغل والإدماج المهني، سحب المشروع معللة موقفها بأنه أصبح في ملكية البرلمان، ولايمكن لها أن تسترده، وأن الحكومة اتفقت مع النقابات على أنه لن تتم المصادقة عليه إلا بعد التشاور مع المركزيات النقابية، و أن المحكمة الدستورية التي تراقب دستورية القوانين في أي حال من الأحوال، لايمكن لها أن تمرر القانون في حال مخالفته لروح الدستور إلى حين..

المواءمة بين المصالح المتعارضة والمتباينة لإيجاد معادلة توافق بين مطالب العمال وأرباب العمل، وبين الحق في الإضراب كحق دستوري مضمون وحقوق المقاول.. ومن أجل تطوير إطار للعمل بمنهجية واضحة وخريطة طريق مدروسة ، تخلق شروط النمو ، بنسبة كافية ، للمساهمة في خلق المزيد من فرص العمل ، فقانون ينظم الإضراب هو قانون استراتيجي يرهن الاقتصاد الوطني ويرهن أيضا فئة عريضة من المجتمع.

لابد من تكاثف جهود كل الفاعلين لصياغة قانون متوازن يحمي حقوق كل المتدخلين ، لنشر السلم الاجتماعي ، ويخلق بيئة مواتية لتدفق الاستثمارات وخلق المزيد من فرص للشغل .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.