جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

لا ترشقوا سيارات الإسعاف بالحجارة

بقلم الأستاذ : نور الدين الرياحي

 

لقد كنت أحث وكلاء الملك بالمحاكم، على أن لا يقدموا على الاعتقال، إلا بعد استنفاذ الطرق البديلة في الصلح، ولم تكن آنذاك المسطرة الجنائية تنص عليها، وأن يضعوا نصب أعينهم أن من يقررون اعتقاله وحرمانه من الحرية، هو بمثابة أب أو أم أو أخ أو أخت أو صديق أو صديقة، وماذا سيكون موقفهم آنذاك، وبالتالي، فتطبيق النظرية، أن يحب وكيل الملك لذلك المعتقل ولصاحب الحق ما يحب لنفسه، عندئذ لا يحاسب أمام الله على قراره الذي يمكن أن يشرد أسرة أو يقضي على مستقبل شاب أو شابة، أو يسرح عمال مقاولة أو يقضي على تجارة بسيطة يتعيش منها بسطاء.. فهل يا ترى زج إنسان في السجن أفضل للمجتمع من تبعات هذا الاعتقال؟

وسرت في عروق النيابة العامة آنذاك دماء جديدة في التفكير الإنساني قبل القرار، لأن قـرار الاعتقال سهل، لكن قـرار القضاء على مشاكل الإنسان التي أدت به إلى الاعتقال هو الأصعب في مجتمع لا يرحم واقتصاد قاتل لروح الرحمة والتضامن.

ولربما ما قد قرأت للأستاذ حكيم الوردي، نائب الوكيل العام، بضرورة تفعيل لجنة الإفــراج المقيد واجتماعها قبل فـوات الأوان مع تفشي فيروس «كورونا»، أصبح ضرورة ملحة، بل أذهب إلى أكثر من ذلك، بأن النيابة العامة، ونظرا للمصلحة العامة التي تحميها وتمثلها، يمكن
أن تتقدم بطلبات السراح المؤقت لفائدة المعتقل من النساء وصغار السن والمرضى وأصحاب الجرائم البسيطة، كما يمكن للمحاكم أن تبت في الطلبات ما دامت شعب التلبس ولو في جلسات سرية، وبذلك تبرز استقلالية القضاء في اتخاذ إجراءات سريعة ومناسبة للظرفية وآخذة بعين الاعتبار خصوصية كل ملف من حيث الخطورة الإجرامية وكفاية المدة التي قضاها المعتقل في الردع، واستحضار الضمانات الكافية، وبذلك نخفف على سجون المملكة ونطمئن عائلات المعتقل على عدم التنقل واحترام الحجر الصحي، كما يمكن أن نذهب إلى أكثر من ذلك في استخدام المعتقل لأدوار إنسانية وإصلاحية وإدماجهم في المجتمع بإسناد أدوار خارج المؤسسات السجنية لفائدة المجتمع في هذه الظروف الاجتماعية العصيبة، ونكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد، وهو التخفيف عن السجون من الاكتظاظ، وإدماج السجناء.

ولو بقيت حقوقية مثل المرحومة آسية الوديع، رحمة الله عليها، على قيد الحياة، لما تخلفت عن المناداة بمثل هذه الصرخات، في وقت أصبح فيه عامل السرعة هو الكفيل بإنقاذ الأرواح البشرية!

أكيد جدا أن ما بعد «كورونا» سيشهد إعادة النظر بصفة مؤكدة في السياسات الجنائية العادية وفي القوانين التي نشأت مع النظام العالمي الحالي المعتمد على الرأسمال أو الاشتراكية والديمقراطية وحقوق الإنسان بالمفاهيم التي أقرها الإنسان بعد خروجه من النظام الكنسي والثور الصناعية، لأن ما بعد هذه الجائحة سوف يفرض على
العالم الاهتمام بالإنسان ذاته وبصحته وتعليمه وأمنه بمقاربة أخرى، وسوف بدون شك يقضي على السفه الذي أصابه جراء الجري ليل نهار من أجل الربح السريع، وكما جنت براقش على نفسها، جنت الأبناك على نفسها وها هي الآن، وفي عز أزمة «كورونا» تحاول أن تصلح نظامها الذي فرضته عليها قوانين إقليمية وعالمية سرعان ما تعرت أمام الإنسان نفسه بواسطة الأنترنيت، ولعل ذلك ما سيؤثر مستقبلا على إيجاد الميكانيزمات الاقتصادية والمالية القادرة على الانتقال بسلاسة إلى النظام المالي الجديد للعالم، وسوف يطرح السؤال هل يمكن أن نتصور دولة كإسبانيا بكل قدراتها الصناعية والفلاحية تستخدم ملعبا للتزحلق على الثلوج لاحتواء أجساد موتى«كورونا»
أمام أنظار الجميع كثلاجة لأجسادهم في انتظار دفنهم؟

فجميل جدا أن تتوفر الدولة على ملاعب للتزحلق على الجليد داخل المدن، لكن الذي يحز في النفس، هو عدم التوفر على مستشفيات تحفظ أجساد البشر في انتظار دفنهم؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.