كورونا والمأساة الإنسانية
بقلم الأستاذ : بوعلي لغزوي - فاس
أيها الهارب من سجن ووهان بين الظلال المهدمة، تحفر الأنفاق في الأجساد، تثقل الصمت تحت وسادة التراب، تغطي جفون الغرباء بكل إصرار، تجلد المحسوس والملموس في أهواء شعوب ترحل قبالة التعاسة الهوجاء، تعبر أقاليم للأجساد تحت جسور العظام.
أيها المنفلت.. تنزلق عبر الأيادي تعود وتعود لتصعد في الرئة، تنير الرؤى ثم تبددها. الهميس يتقدم كالأعمى من المعنى، تختفي قبل عودة الشمس على جبيني، أتوقف عن السقوط وأتدفق في المنحدر، أنا هنا ولا أدري متى هدا الوعد؟ في أي يوم وزمن نحن؟
الحاضر هنا وأنا مجرد تاريخ نهائي تائه بين الانا والعدم، أشكال الضوء عادت لعبة في سماء المجرد، أنسجة الأرق تفسح في الأجسام، الأنهار تمشي خلف الصمت،الأسرة مصنوعة من أشعة بلورية تنتظر الغريب الموسوم بالموت.
الحزن المثلث يبسط عدساته علينا والروح تتنازع بالصخب باستمرار، الساعة تسقط الزمن المتسلط مني أسمع أنفاس دواري، يلامس جسدي شعاعا يبتعد لحظة وينغلق، ها هي عادة الجنازة في مسرح اللعب،الايام تحملني تمدني بالأرقام، وأنا ذلك الكائن الملفوف بالطعنات، البرد يخترق الصفوف، يقرع الأجراس، وأبواب العربات تردد ٱخر الوجبات، على أعشاب القبور تتربع النفوس، تنام فوق الكتابة الفضية، يحط الصريم، وطوفان يغمر الأتربة ، روحات وغدوات وحجرات للبياض مبطنة بالفقاقيع.
يا كورونا لماذا لا تمضي، كم طفل يبكي، لماذا لا تتحدث عن الحب، تغدو رمادا من العياء، سأدعو السعادة إلا جنازتك عندما تنسى لغة انسان، والقمر يفقد يد التابوت، وحجر المكان، الكتابة عنك حرب ودمار، سأكتب، أن تكتب يعني أن تلغي الجفاء، وتحذف الحذو والموت، أن تعرف عصف الريح وكنه الخلود وسر العدم المنشود.
ترسم القرون للأصاغر والأكابر، وتعيد الماضي مع اليقين العابر، وأن تنبش ما كان بيننا مضمورا، توالدت القلوب بالدم المكبول، لا يشتكي منها غير الإنسان المهدور.
في أوان النحس يتسلل التاج، يجلس، يتقلب في مجراه، نرمي عليه ٱية الاستسلام، القطط تصفع الأوتاد والأوتار، الشاعر يطرح الريح وراء النوافذ، الحانات تبيع صمتها للأيام والزمن الحقير يتقل الطرقات، التاج ينشر الإدعاء.فوق الأسقف العذارى تئن، والعمال يبحثون في الأراضي العذراء، الجائحة الوحشية تهزم الشرق والغرب.
الكتابة أمل القصيد، سيدة الحب أنت تبللين الأرض بالسواد، تمشطين اللعنات بين الطرقات، وترسمين جدرانا للجالس والواقف. أنت التي تحملين هذا الجسد، من سطوة التاج إلا محراب الخلود. لم يبق ما يسليك غير الولادة، تلبسين للبياض لغة جبران، أخي من نحن، لا وطن ولا أهل ولا جار، إذا نمنا إذا قمنا ردانا الخزي والعار.
أيها الكائن مروجك قلبت التاريخ، تصحي أميالا لا لتعيش الشقاوة، تناسب كالأوتار من العود والكمان، يحلو لك الحجر والهمس في هذا البوح الناعم، تبعث العمر لتفجر أسئلة اليقين والشك، والتاج يقود الكائن في ثنايا الصخور، يرسم دماء بالغدر كالجداويل العابرة ، يحول العروق شموعا، يرضع من نبع الجبال، يعيد تسجيل الظلام الكامن في الكائن.
الكتابة ضوء زمني، يرتل المزامير لكي يحفر في هذا الكائن، الكتابة حياة بوهيمية تغرب في الشرق، وثعثر بالأموات في الغرب، الطيور تلوم القدر، لا تعرف دفء العدل، الوجع يهفو ضائع الخطى، المدى لا تحده الأنجم، الزمن يصنع الدروب القبور. عيون الأرض تاهت من الأوجاع .
إنك (الكتابة) خمرة البناء واللقاح، الناس حولك يلخصون الإعياء، بدونك أن تصنعي الضياء والبهاء، الكائن ينتظر الإصباح والعشية، يحلم بغصن الدوح والصفصاف، يرفض شهوة القتل في الرمل، تقلبين الجرائد لنتدثر بها، لنرى الوجوه المعبودة والعشاق.
الشعر سئم منك لغة اليعسوب، حروب ودمار وأموات تطالبك، لا تغلقي أبواب الأوزان والعلل.
يا عابد الصنم المعولم، هل تذكرت كيف صرنا أقل في اللفظ والمعنى، الأفئدة تبوح بالدمعة كطفل على دفتر صغير، نحك أيتها الكتابة، فوق المحبة نرنو، نراك كما نتصور، أحقا انك أنت التي أيقضت الدهر، أحقا انك أنت التي تؤرخين الملكوت من عشقك، ها أنا أنسج هوايتي، أكتب شيئا عن نهاياتي بلغة القصيد. كوني رحيمة، سحبا، خطبا، طربا، أيتها السيدة رفقا بالكائن المتعب، إن الدروب مزقها العياء والعويل، الموت حول العربات تحصد الإنسان بمعطف يمحو الخطايا، الدهر يلوم المجانين فلا عز لدوي العقل.
الكاهن يرتب أوراق الخريف بالتسامي في الحال يرمق الكل، مع الحقيقة لا بالشخص من ظلك، أيها الكاهن عجزت عن فهم الأكابر. الوجد أفناك والنشوة بين السرائر، الليل حدث ينسى بالزمان، والوجود عبارة عن نقرة بالإيمان، الخجل يبيع أوتاده للعبيد، فتشيخ الطفولة في معسكر الأموات، يجهل الحصان بحروف اسمه التاج، والنعاج أوقفتها اللحظة تتأمل الغروب مفعمة بالتوالد نقص عليها خبرا عن تزيفنا..
ها أنا ذا وجها لوجه مع نفسي، ذاق حلمي لعنة الصبر، وبسمتي لا تخضع لليأس، لا أشتهي غير الكائن الذي يبتلع أضواء النهار، أضواء شعت تغمر بسمة الناظرين، يتحول ظلي عن موته، أصله، والوحش يدمر المبدأ الذي بنيناه، أنْشطِرُ في فضاءات الكون، أملك ثقة الكلمات عبر الجروح، أكتب أنشودة ملحمية للسنوات، أطارد الصمت لأبعثره في الليل، أيتها الكتابة المنسكبة من العرق، حروفك سندان تذق المادة المتمردة.
أيها الشاعر صمتك راح صحنا في ذاكرتي، كيف تجعل الشمس حبيبة للغرباء، شعرك ابتسامة موجعة أمام الجبناء، شعرك ينخر أرصفة وعيونا، الشمس ترسل ثغاء على الطرقات، الملائكة تعرض أحلامها على ليلى، تفتح عشقها عبر الزمن الذي يشفي الأشواق.
الرياح تغزو أعناق الحياة، ترسم دمعة بريشة شمس على أرصفة الجفون، تتبلل بالشتاء لتخلع قميص يوسف، قتلوك مرات وزعوا جثتك في حديقة الوزير، صرت بذرة، عروقك أمطرت شيطانا على الحجر، نمت في ذاك التراب حتى صار العار محرابا وعجوزا، لا تيأس، الحب ملاك المجنون، لا تبكي الكتابة لعنة الشعراء.