جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

خبير اقتصادي عالمي :” رغم أزمة كورونا إلا أنها ستمنحنا فرصة بناء نظام اقتصادي اجتماعي وبيئي متكامل”

جورنال أنفو - عبد الواحد بنديبة

قال محمد يونس الخبير الاقتصادي المتوّج بجائزة نوبل  ومؤسس بنك الفقراء في مقال تحليلي له في صحيفة “لوموند” الفرنسية، إن الأزمة الناتجة عن فيروس كورونا تمنحنا فرصة لبناء نظام اقتصادي بيئي من جديد، موضحا أن الأزمة الراهنة “تدعونا مليا للتفكير في إعادة بناء اجتماعي وإيكولوجي بيئي يمكّننا من تفادي أزمة بيئية مماثلة لعدوى كوفيد 19 التي ضربت العالم في وقتنا الراهن”حسب تعبيره.
وقال الخبير الاقتصادي البنغلاديشي :” رغم ما تسبب به الفيروس القاتل من أضرار غير مسبوقة، إلا أنه أتاح للعالم معرفة حقائق أخرى لم يكن على علم بها، وهو كيف كان هذا العالم قبل ظهور فيروس كورونا، ألم يكن على شفى حفرة من انهيار جليدي نتيجة للكوارث البيئية التي كانت ستجعل الكوكب حتما غير صالح لعيش البشرية، وكان العد العكسي لحدوثها قريبا، حيث كان الذكاء الاصطناعي يسير بنا بشكل حتمي لبطالة جماعية لسكان العالم أجمع، فتمركز الثروات بلغت مستويات قياسية، بلغت حد الانفجار”.
وأضاف المتحدث قائلا :”فالعشرية التي بدأت للتو، كانت بمثابة الفرصة والأمل الأخير ولطالما حذرنا منها، وبعد حدوثها لن يكون بالإمكان إنقاذ العالم وكانت حينها جميع محاولاتنا ستكون بمثابة خيبات أمل متتالية، السؤال المثير الذي يفرض نفسه هنا هو هل ذاك العالم الذي تحدثنا عنه هو العالم الذي كنا نريده؟ الوباء الحالي غيّر المعادلة تماما ويفتح أمامنا آفاقا غير متوقعة، حيث بات بإمكاننا استعادة كل الخيارات ويمنحنا اختيارات عدة لكن قبل الانطلاق من جديد يجب علينا الاتفاق حول شكل الاقتصاد العالمي الذي نريد ونتمنى، وهي الطريقة المثلى والوحيدة التي ستمكننا من خلق النظام الذي نريد منه أن يقودنا للعيش المشترك.
وفي حالة ما إذا لم يتمكن العالم من الاتفاق حول النظام الاقتصادي الذي يريده لمستقبل عيشه المشترك، فالأكيد أن هناك خللا في الوسيلة أو عطبا في بنية النظام، وهنا يجب علينا البحث عن علاج وإصلاح الآلية، ووجب أيضا استحضار عامل قوة صبرنا وانتظارنا للإصلاح والعلاج، لذلك بات لزاما علينا إيجاد الحلول العلاجية لأننا يجب أن ننقذ البشرية من سوء عدالة جماعية ستؤدي بالعالم حتما صوب الهلاك.

لكن حينما تكون العزيمة والإرادة، فلا شيء مستحيل أمام الإنسان، فالأزمة الناتجة عن كوفيد19 تفتح أمامنا آفاقا للبدء من جديد، وإمكانية إنجاز نموذج جديد شفّاف بصفحة بيضاء بتخطيط وتصميم جديدين وقرار عالمي بالإجماع سيكون بمثابة قوة مساعدة بشكل كبير على أن لا نعود للنقطة التي كنا فيها قبل ظهور الوباء، ولا يمكننا إعادة الاقتصاد كما لا يمكننا الحديث عن إعادة نسخة مطابقة للنظام السابق الذي كان يشتغل به العالم، ولكي نتمكن من بلوغ الهدف بشكل واضح، يجب علينا مناقشة خطة شبيهة بإعادة إعمار وبناء جديد للعالم والمقاولات، هنا ستكون بمثابة عصب وقطر الرحى لاشتغاله”. 

واستطرد الخبير الاقتصادي في مقاله التحليلي قائلا:”  بعد انزياح فيروس كورونا، يجب أن ينطلق العالم من جديد من خلال مبدأ الضمير المجتمعي الواعي بالحس البيئي كأحد الرافعات الأساسة لكل قرارات.
الدول، إذا يتحتم عليها أن تدرك أنه لا يمكن صرف دولار واحد قبل التأكد من أن المشاريع المبرمجة يجب أن يكون لها نفع مجتمعي على الإنسان والمناخ والمحيط البيئي، أولى المشاريع الخاصة بإعادة إنتاج نظام اقتصادي جديد، يجب أن يكون أولى أولوياتها العامل الاجتماعي، وهنا أقترح إعطاء دور مركزي ومحوري لشكل جديد للمقاولات تحت مسمى مشاريع الأعمال المجتمعية بهدف واحد يرجى تحقيقه، يتمثل في حل مشاكل الأفراد المنشأة بهدف غير ربحي بشكل يمكن من إعادة استثمارها داخل المقاولة، وعلى الدول تحفيز وتشجيع الاقتصاد الاجتماعي ليضمن اللحمة اللازمة للاستمرار، فالدول يجب أن تكون هي المحرّك وتأخذ بيد الفئات المحتاجة والأكثر تضررا والمعطّلين بضمان التأمين الصحي، كما يمكنها خلق صناديق احتياط ضد الأزمات قصد ضمان التأمين الاجتماعي للمقاولات، كما يمكنها تشجيع القطاع الخاص والمؤسسات المالية وصناديق الاستثمار وتحفيز المقاولات التقليدية وعلى الأبناك المركزية السماح للفاعلين داخل المقاولات ذات البعد الاجتماعي بتلقي مساعدات وتحفيزات مالية من المؤسسات المالية لتنمية رأسمالها وسنداتها داخل البورصة”. 
في هذا الإطار، يقول الخبير محمد يونس، على الدول إشراك مجموعة من الفاعلين غير الظاهرين في السوق،  كمقاولات الاقتصاد الاجتماعي والاقتصاد التضامني.
لكن، مادام هامش ربح المؤسسات الاقتصادية كبيرا، فلن يكون بالإمكان وضع نموذج أو نظام اقتصادي جديد يضع في صلبه الاقتصاد الاجتماعي والبئي كأساس له، فالوصفة الناجحة تتمثل في تحديد استراتيجية واضحة ترفع  درجة من الاقتصاد الاجتماعي داخل البنية الاقتصادية بشكل عام، وهنا يمكنا الحديث عن انطلاقة وولادة جديدة لنظام اقتصادي جديد، حينها سيلمس الفاعلون الاقتصاديون تلك الأهمية الكبرى وهي فرصة تاريخية يجب ألا نضيعها جميعا، كما لن يكونوا حينها وحدهم، لأنهم سيدخلون ضمن  نظام يتكون من مجموعة من الشركات متعددة الجنسيات، وصناديق كبرى للاستثمارات ورؤساء مقاولات بمواهب متعددة، ومنظمات ومؤسسات مالية بتجارب كبيرة وضخمة في تسيير وتدبير الاقتصادات الاجتماعية ذات البعد الوطني والدولي معا، 
كما أنه من المفروض بل يجب على النظام الاقتصادي الجديد، تقريب الهوة بين المؤسسات العمومية والمواطنين، من جهة هذا الأخير مُلزم عليه القيام بواجباته الضريبية ومعرفة القوانين، ويفرض من جهة ثانية على الدولة القيام بواجباتها والعمل على تحصين كل ما يخص المواطن وتأمينه الاقتصادي والصحي ومحيطه البيئي، وتشجيع المواطنين عل خلق مقاولاتهم الذاتية،
ذلك أن الهاجس الأول والأخير الذي على الدول محاربته هو مشكل العطالة، الناتج عن انهيار الاقتصاد، لذلك على المستثمرين مساندة المقاولات الاجتماعية، التي ستخلق بالإيجاب فرصا للشغل، والعمل جنبا إلى جنب القطاع العام على خلق نظام صحّي صلب ومتين، فبين التشاؤم والأمل للخروج من أزمة وباء فيروس كورونا، الأنظمة التي ستتبنى ماسبق ستتمكن من جني ثروة كبيرة لا مثيل لها، وهذا الأمر سيمكننا من معرفة مدى قدرة وكفاءة قادة الدول ورسم معالم سكةّ وطريق ونهضة جديدة تحيي العالم  وتنفض عنه غبار ما سبق.
في المقابل إذا ضيّع العالم هذه الفرصة، فسيجد نفسه أمام كارثة أفظع وأخطر من كوفيد 19″.
وختم المتحدث قائلا :”يمكننا القضاء على الفيروس بأخذ سبل الوقاية والحجر الصحي، لكن حينما لا نعرف قدرة وحجم المشاكل التي يتخبّط فيها العالم، حينئذ لا يمكننا الهروب من غضب أمّنا الطبيعة و لا من غضب سكان العالم أجمعين”.

 

 

 

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.