جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية.. لعبة التحالفات

بقلم: جليلة اعجاجة (ومع)

يخوض المرشحون برسم الجولة الثانية من الانتخابات البلدية الفرنسية مجريات لعبة حقيقية للتحالفات السياسية، وذلك بهدف زيادة فرص الفوز بهذه الاستحقاقات، مهما كلف الأمر، حتى لو تم ذلك على حساب قيمهم الإيديولوجية أو مبادئ الحزب الذي ينتمون إليه.
ولعل ذلك يفسر بأهمية الرهان. فالاستحقاقات البلدية الحالية، التي تعقد قبل عامين من الانتخابات الرئاسية القادمة، حاسمة بالنسبة لمختلف التشكيلات السياسية، التواقة إلى أن تكون حاضرة بكامل ثقلها في التوليفة السياسية المقبلة.

ولقد كان من المقرر إجراء الجولة الثانية من الانتخابات البلدية في 22 مارس الماضي، بعد جولة أولى نظمت في 15 من نفس الشهر، أي قبل يومين من فرض تدابير الحجر الصحي، مما عرض الحكومة لانتقادات لاذعة، ليتم على إثر ذلك تأجيلها بسبب وباء فيروس كورونا.

وبدأت الحملة الرسمية للجولة الثانية، التي ستنظم في 28 يونيو الجاري، الأسبوع الماضي في التراب الفرنسي ومايوت، في ظل القيود الصحية المشددة المفروضة من أجل الحيلولة دون تفشي فيروس كورونا المستجد. وفي غويانا، تم تأجيل الاستحقاقات البلدية إلى وقت لاحق بسبب وباء “كوفيد-19”.

وتشمل هذه الحملة الثانية 157 ألفا و632 مرشحا بـ 4827 بلدية، حيث لم يتم انتخاب المجلس البلدي بالكامل خلال الجولة الأولى، وذلك من مجموع زهاء 35 ألف بلدية. ومن المقرر أن تستمر أسبوعين، حتى اقتراع يوم 28 يونيو.

Urne électorale

وحسب الأرقام الرسمية، تمت دعوة نحو 16,5 مليون شخص للتصويت في الجولة الثانية، أي 39 بالمائة من الهيئة الناخبة.

ووفقا لرئيس الوزراء، إدوارد فيليب، فإن قرار السلطة التنفيذية القاضي بعقد هذه الجولة الثانية، بينما دعت أصوات إلى تأجيلها حتى شتنبر المقبل أو حتى مستهل سنة 2021، حفزته الحاجة إلى “استئناف الحياة الديمقراطية”.

وبرسم الجولة الأولى في 15 مارس الماضي، جرى انتخاب 30 ألفا و125 رئيس بلدية من أصل 34 ألفا و967. وهكذا، فقد اختار نحو 85 بالمائة من البلديات الفرنسية تشكيلة مجلسها. ولن يصوت سوى نحو 15 بالمائة فقط يوم 28 يونيو، ما يمثل 4800 عمدة سيجري اختيارهم. ومن بين هذه البلديات، هناك ما يقرب من 1500 يفوق تعداد ساكنتها 1000 نسمة، من بينها أكبر التجمعات الحضرية الفرنسية، لاسيما باريس، ومرسيليا، وليون، وتولوز، ونيس، ونانت مونبلييه، وستراسبورغ، وبوردو، وليل.

ويدل هذا المعطى على أهمية هذه الانتخابات في هذه المدن الكبرى، حيث الرهانات السياسية غالبا ما تهم الأحزاب على المستوى الوطني.

وهكذا، فإن المرشحين لهذا الاقتراع، الذين تبعثرت أوراقهم بسبب تفشي وباء مفاجئ لم يكن في الحسبان، مؤديا إلى تغيير العديد من الأشياء وتحويل العالم الحالي، سيجدون أنفسهم أمام تحد حقيقي.

وإلى جانب مواجهة الاستياء المتنامي وعدم الاهتمام المعبر عنه من قبل الناخبين، سيتعين عليهم أيضا اقتراح أفكار جديدة، وتصورات مغايرة قادرة على إقناع الناخبين الأكثر فأكثر إلحاحا، والذين لم يعودوا يرغبون في أفكار الماضي التي أظهرت محدوديتها.

وفي الواقع، أظهر استطلاع (إيفوب)، الذي تم إنجازه خلال الفترة ما بين 9 و12 يونيو الجاري، والذي نشرته وسائل الإعلام المحلية، أن أقل من أربعة من بين كل عشرة فرنسيين (38 بالمائة) يعتزمون الذهاب للتصويت، وهو معدل أقل حتى من الجولة الأولى.

وفي مواجهة كل هذا، وبغية تحسين فرص انتخابهم، قرر بعض المرشحين دمج قوائمهم، لتفرز تحالفات مفاجئة وحتى غير متوقعة. وهو الوضع الذي علق عليه المراقبون السياسيون ووسائل الإعلام المحلية على نطاق واسع.

وهذه هي استراتيجية الحزب الرئاسي “الجمهورية إلى الأمام”، الذي يفضل الاندماج مع اليمين في مواجهة اليسار أو الإيكولوجيين، برسم الجولة الثانية من الانتخابات البلدية، وذلك في مدن ذات رمزية من قبيل ستراسبورغ، وبوردو، ولوفالوا-بيريت، وتورز، وكليرمون فيران، وحتى في الدائرة الخامسة لباريس، التي حظيت بالقسط الأوفر من التعليقات، مما دفع المراقبين إلى التساؤل حول ما إذا كان الأمر يتعلق بـ “انعطاف إيديولوجي إلى اليمين” من قبل “الجمهورية إلى الأمام”.

وتشير أرقام للحزب تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، إلى أن 76 مرشحا مدعوما أو مرشحا من قبل الحزب تحالفوا مع اليمين، و33 مع اليسار، بينما انسحب 54 منهم، في حين جرى سحب دعم الحزب لثمانية مرشحين.

وحسب المراقبين، لتبرير هذه التحالفات مع اليمين، يتحدث بعض مرشحي “الجمهورية إلى الأمام” عن عدم قدرة الإيكولوجيين على تدبير المدينة. في حين أنه في مدن أخرى، فاليسار نفسه هو الذي أغلق الباب أمام أي تحالف مع الحزب الرئاسي “بسبب السياسة التي اتبعتها السلطة التنفيذية لمدة ثلاث سنوات”.

ووفقا للمراقبين، فإن هدف الحزب الرئاسي يتمثل في “سد الطريق” على الإيكولوجيين، لاسيما وأن حزب أوروبا-إيكولوجيا والخضر، كانا قد خلقا مفاجأة خلال الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وذلك بحلولهما في المركز الثالث، متقدمين على اليمين التقليدي.

وبالنسبة لهذه الانتخابات البلدية، يعتزم الإيكولوجيون تأكيد تفوقهم وكسب المزيد من النقاط على رقعة التنافس الوطني، في أفق الانتخابات الرئاسية لعام 2020.

ويطمح الخضر، أيضا، إلى الاستفادة من القضية البيئية التي تتصاعد قوتها أكثر فأكثر. حيث ينافسهم في ذلك العديد من المرشحين الآخرين الذين يجعلون منها وسيلة لإقناع الناخبين، الذين أضحوا أكثر حساسية إزاء الحفاظ على البيئة، لاسيما في زمن الأزمة الصحية.

وإذا كانت الجولة الأولى قد جرت في سياق اجتماعي متوتر (أزمة السترات الصفراء، إصلاح المعاشات)، فإن الجولة الثانية تنظم هي الأخرى في سياق الأزمة الصحية، مع انعكاسات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، الأمر الذي يلقي بعبء كبير على مختلف المرشحين المدعويين إلى تلبية انتظارات وتطلعات الناخبين، وإقناعهم بالتصويت لصالحهم، مع وضع الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2022 نصب الأعين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.