الأزمة الاقتصادية لكوفيد-19 وسؤال العدالة الضريبية؟
جورنال أنفو
*يونس مليح
إن السؤال الرئيسي المرتبط بأي نظام ضريبي هو ارتباطه بوجود عدالة ضريبية، هذا المبدأ الذي يجد نفسه في كل من الفصول 39 و40 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011، لكن، الواقع يؤكد عكس ذلك، فرغم دسترة مفهوم ومبدأ العدالة الضريبية، فالضريبة على الدخل مثلا ما يقارب 75% من الإيرادات الضريبية المتأتية من هذه الضريبة هي تلك المتحصلة من المنبع وهي الأجور والدخول المعتبرة في حكمها، أما فيما يخص الضريبة على الشركات ف 2% من الشركات تؤدي ما يقارب من 80% من إيرادات هذه الضريبة، أما الضريبة على القيمة المضافة فهي المورد الرئيسي لخزينة الدولة، في حين أن عبئها يتحمله الملزم. لذلك وجب علينا في الأول من أجل تنوير القارئ المغربي على وجه عام، ودافعي الضرائب بشكل خاص، معرفة ما هي العدالة الضريبية؟ وكيف يمكن للضريبة أن تحقق العدالة الاجتماعية؟ وكيف يمكن لنظام ضريبي عادل أن يشكل مدخلا لتحقيق العدالة الاجتماعية خصوصا في ظل ما نعيشه اليوم من أزمة اقتصادية لاشك وسيخلفها وباء كوفيد-19؟
أولا- العدالة الضريبية
إن مبدأ العدالة الضريبية له مؤشرات ناظمة وضابطة، من بينها أحقية الملزم في مراقبة تصحيح إقراراته، واللجوء إلى الطعون ضدا على قرارات الإدارة، وتبني أحكام وإجراءات وآجال وأحكام فنية خالية من الغموض والتعقيد النصي، تقوم على تشخيصية السعر والوعاء، وتعتمد على سهولة التحصيل المالي ووضوحه، إضافة لعمومية المادة الجبائية، وكأداة تدخلية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية.
لذلك، يكثر التساؤل عن أيهما أكثر عدالة، هل نظام الضريبة الواحدة أم نظام الضرائب المتعددة؟، فهناك من يرى بأن العدالة التي تحققها الضريبة الوحيدة عي عدالة ظاهرية بعيدة عن الواقع العملي، وذلك لأنها تقتصر على نشاط اقتصادي واحد أو مال معين أو إحدى طبقات المجتمع وهذا يعني أن الخطأ إذا ما وقع في نظام الضريبة الواحدة لا يمكن تلافيه على عكس نظام الضرائب المتعددة، إذ يمكن تصحيح الخطأ إذا ما وقع، فضلا عن أن نظام الضرائب المتعددة يحافظ على مصدر النشاط الاقتصادي لأنه يمكن من المعاملة الضريبية المتنوعة بما يتفق وطبيعة هذا المصدر وظروفه وهو ما يتفق مع العدالة الضريبية.
ثانيا: العدالة الضريبية والعدالة الاجتماعية وجهان لعملة واحدة
إن النظام الضريبي غير العادل لاشك وأنه يزيد في حدة وتفاقم ظاهرة عدم المساواة، كمثال على ذلك فالشركات المتعددة الجنسيات وأصحاب الثروات والأثرياء يرون في ثرواتهم وأرباحهم تزداد وتنمو بدون وجود أي عائق أو حاجز أو رادع، في حين ترى الدولة عائداتها الضريبية تقل وتختفي. زيادة على ذلك، نجد ما يصطلح عليه بالملاذات الضريبية (les paradis fiscaux)، وهي بصفة عامة شكل من أشكال التهرب الضريبي، والتي تساهم بشكل فعلي وقوي في زيادة التفاوتات الاجتماعية وعدم المساواة (inégalités). وبواسطته فالأغنياء وأصحاب الثروات والشركات المتعددة الجنسيات زادت في أرباحها وفي نسبة ثرواتها بواسطة هذه الملاذات الضريبية، وبسبب هذه الظاهرة فالعديد من الدول خسرت أكثر من 156 مليار أورو من المداخيل الضريبية، ويقدر بأن 30% من الموارد المالية لأفريقيا توجد بالخارج « offshore ».
إن خير دليل على أن النظام الضريبي المغربي نظام غير عادل، هو تأكيد المناظرتين الوطنيتين، سواء الأولى التي انعقدت في أواخر سنة 1999، أو المناظرة الثانية حول الجبايات التي انعقدت بالصخيرات سنة 2013 أو لسنة 2019، على ضرورة سن تشريع جبائي يضمن العدالة الجبائية بين جميع الملزمين، وذلك من خلال التدابير التالية:
- خلق توازن بين الضرائب غير المباشرة التي تشكل حوالي 3/2 من المداخيل الجبائية والضرائب المباشرة التي تراعي وتتماشى مع مبدأ وأهداف العدالة الجبائية؛
- سن نظام ضريبي يراعي المقدرة التكليفية للملزمين.
ثالثا: العدالة الضريبية في ظل جائحة كورونا
إن نظامنا الضريبي المغربي قد أبان خصوصا في ظل الأزمات (أزمة كورونا كوفيد-19 على سبيل المثال)، على أنه نظام غير مستقر، فعملية الاستقرار تعتبر شرطا لسهولة إدراك النظام الضريبي واستيفاء أحكامه، ولا تتعارض أبدا مع التعديلات الهادفة إلى استدراك الفجوات المكتشفة، أو توجيه سلوكات الأفراد قصد بلوغ غايات اقتصادية واجتماعية معينة، وإنما التغييرات المتوالية المدخلة سنويا لأغراض مالية بحتة وسياسات ظرفية غير مدروسة هي التي تكون وراء عدم الاستقرار، هذا الأمر نعيشه اليوم خصوصا في ظل اتجاه الفاعل الحكومي إلى الإعلان عن قانون مالي تعديلي هو الأول منذ سنوات، فكيف يعقل أن ننتظر أكير من ثلاث أشهر من أجل الإعلان عن الخطوط العريضة لهذا التصور التعديلي المالي المستعجل، الأمر الذي يفسح المجال للعديد من التأويلات.
بالإضافة إلى اللغة التي كتبت بها المدونة العامة للضرائب، والتي تعتبر معقدة حتى على الممارسين والمتخصصين في المجال، فما بالك بالمواطن العادي بأن يستوعبها ويعرف كيفية تقديرها واحتسابها. لذلك، وجب إعادة صياغة المدونة العامة للضرائب وفق أسلوب مبسط وسهل الاستيعاب من طرف الجميع.
فمن أجل إصلاح النظام الضريبي المغربي ليصبح نظاما عادلا ومتكاملا يمكن من خلاله مجابهة الأزمات، يجب الشروع الآن وبشكل سريع، في تحليل ودراسة نظامنا الضريبي المغربي وفق طريقة نقدية من أجل إستخراج نواقص ونقط الضعف الكامنة في هذا النظام، والعمل على إيجاد حلول بديلة من أجل إصلاح نظامنا الضريبي في شقه المتعلق بالعدالة الضريبية، لأن أي إصلاح يرتبط بالعدالة فهو يمس بشكل أساسي مسألة غاية في الأهمية وهي العدالة الاجتماعية. لذلك، يجب إشراك الجميع في هذا المشروع سواء أحزاب سياسية التي تغيب عنها الرؤى الشمولية للإصلاح الضريبي في جل برامجها الانتخابية.
*كاتب وباحث بسلك الدكتوراه