إيريك دوبون موريتي يغادر المحاماة .. ليحرس الأختام
بقلم المحامي الأستاذ عبد اللطيف مشبال
يعتبر العديد من المحللين السياسيين أن التعديل الحكومي الأخير الذي عرفته فرنسا هو خطوة تكرس الدفع بالاتجاه الماكروني نحو اليمين استباقا للانتخابات الرآسية المقررة في أجل سنتين ، حسبما جاء في تعليق لصحيفة”لوموند” .
عرف التعديل استبعاد وزراء سابقين كانوا محسوبين على اليسار، دون أن يستقطب الحكومة الجديدة ، مع ذلك شخصيات يمينية ذات وزن، و هو ما التقطته الكاتبة كلويه موران في مقال نشرته بجريدة” لوفيغارو” جاء فيه على وجه الخصوص، ” إنه لا مكاسب هناك من اليمين أو اليسار ، بل هناك مكتسبات رمزية باستثناء الوزيرين باشلو و إيريك دوبون مور يتي و هما شخصيتان وازنتان ” حسب ذكرها .
أثار تعيين الوزير الجديد للعدل جدلا سياسيا و حقوقيا واسعا لكونه شخصية معروفة بمواقف ، من جهة ، مناهضة لليمين المتطرف الذي لم تخفي زعيمته السيدة لوبين معارضتها لهذا التعيين، و من جهة أخرى، باعتباره محاميا لامعا عرفته واختبرته ردهات المحاكم الجنائية بمرافعات و مداخلات قوية و مجلجلة ، و اصطدامات مع القضا ء تمكن بفضلها ، و من خلالها ، الحصول على أحكام عديدة بالبراءة لفائدة موكليه .
تتمحور العديد من الانتقادات التي وجهت للرجل أساسا بسبب جرأته وقوة كلماته بل و أحيانا عنفها التي يستعملها، سواء في إطار ممارسة مهامه في الدفاع عن موكليه ، أو بمناسبة التعبير عن مواقفه ذات الصلة بالشأن العام كإعلانه عن رغبته في قفل مدرسة تكوين القضاة ، و تنديده بعدالة طبقية ، من منظوره ، أو تصريحاته الإعلامية المتسمة بقدر كبير من الصراحة و التهجم ، الأمر الذي أثار غضب العديد من الأشخاص المعنيين بها ، وعلى رأسهم القضاة الذين أصدرت نقابتهم) الاتحاد النقابي للقضاة( بيانا بمناسبة تعيينه وزيرا للعدل، أعلنت فيه بوضوح و بكيفية لا تخلو من الغضب ” أن هذا التعيين يعد إعلان حرب على القضاء. ”
و لأخذ فكرة عن وجهة نظر المعارضين لتعيين المحامي المذكور كوزير للعدل، يمكن الاستشهاد بما جاء في
تعليق السيدة هيلين رومانو، الاختصاصية في الأمراض النفسية ، المنشور بجريدة ” ميديا بار ” بتاريخ
7/7/2020 الذي جاء فيه بصيغة تساؤل” : كيف أن رئيس الجمهورية أمكن له تعيين وزير للعدل شخصية معروفة باحتقارها للقضاء و مهن أخرى ، و بعنفها في مواجهة الأطراف المدنية، و تهديده للخبراء، إنه إنكار تام للعدالة و احتقار لجميع ضحايا هذا المحامي ” حسب قولها .
و رغبة من موريتي في تليين حدة معارضيه و حنقهم الذي يكنونه له ، و كذا لاستمالة جمهور واسع من
منتقدي سير العدالة الفرنسية، أدلى بتصريح مطمئن بمناسبة تسلمه الحقيبة الوزارية سالفة الذكر جاء فيه على وجه الخصوص ” إنه ليس بوزير للحرب بل للحريات “.
و أضاف” إن العدالة لا تتحقق عبر وسائل الاعلام و شبكات التواصل الاجتماعي ” معلنا عن نيته في اجراء
تفكير بخصوص قرينة البراءة و سرية البحث بمشاركة الصحفيين ، و إعادة الاعتبار للسر المهني للمحاميين .
و انتهز المناسبة للكشف عن برنامجه الطموح الهادف لإصلاح العدالة عبر إعلانه ، لأول مرة ، عن رغبته في
تحقيق استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل ، و كذا إصلاح إدارة السجون، مضيفا بأنه يرغب في أن يكون
الوزير الذي سيحقق، في خاتمة المطاف ، الإصلاح الموعود للنيابة العامة، علما أن الرئيس ” ماكرون “لا يرغب في إنجاز إصلاح يحقق استقلالا تاما للنيابة العامة.
فهل سيحالف التوفيق الوزير موريتي في تحقيق برنامجه المذكور، وسيساهم بالتالي في تخفيف حمل الأختام المنوطة له مهام حراستها ؟.
*القاضي الأستاذ عبد اللطيف مشبال