حفريات تاريخية في ذاكرة اجعيدان
جورنال أنفو
*الدكتور محمد عزيز خمريش
حفريات تاريخية في ذاكرة اجعيدان الدكتور محمد عزيز خمريش استاد التعليم العالي بجامعة الحسن الأول سطات يحيل عنوان هذه المقالة على التنقيب والحفر والقراءة الاستنباطية والاستخراجية للمؤسسات والوقائع التاريخية المحلية والإسهام في إزاحة طابع الجمود عنها لكي لا تتحول إلى مجرد رصيد متحفي اثري صامت .
المقصود بـ ” اجعيدان ” كمفهوم تراثي فن العيطة البجعدية و هي نداء فجائعي نضالي تحفيزي مستنهض للهمم ودعوة صارخة مفتوحة للدفاع عن الأعراض والأوطان ، بل الأكثر من ذلك فهي تاريخ شعبي غير رسمي لأحداث وهزات عرفتها المنطقة، تتناوله إما بالتبجيل والتمجيد أو بالنقد اللاذع الممأسس .
استدعاء هذه الحمولة اللغوية التراثية في موضوع سياسي محض، قد يتبادر إلى الذهن أنه مجرد ضرب من التعسف و محاولة للجمع بين نسقين متنافرين منهجيا وجوهريا إلى أبعد الحدود .
صحيح أن العملية تكتنفها صعوبات جمّة وتحتاج إلى دراسات وأبحاث مستفيضة للتنقيب عن هذا الترابط الذي نعتقد أنه موجود عبر حقب تاريخية متباينة .
تتطلب إيقاعات اجعيدان طقوس خاصة منها الصوت الجهوري وإدماج الإيقاع الرخو بالإيقاع السريع و ضرورة صمت المدعوين في تفاعل كيميائي غريب . و دور الباحث هنا يماثل إلى حد ما وظيفة قاضي التحقيق مهمته استنطاق النصوص و الاظناء .
تأسيسا على ذلك ، فعملية استنطاق النصوص التراثية تؤكد أنها تحمل دلالات ساخرة للفاعل السياسي المراد نقده ، كما تحمل معاني عميقة لموضوع الدراسة على اعتبار أن الغناء الشعبي وليد القهر و المعاناة فهو يختزل ذاكرة الشعوب ، نسوق على سبيل المثال لا الحصر : ” بوعبيد الشرقي مزوق لولاد ” بما يفيد أن مدينة أبي الجعد دار علم وصلاح وخلية لتفريخ النخب والأطر العليا والمفكرين ورجالات الدولة .
لقـــــواس مقابلا لقواس بوعبيد على ولادو عساس هنا تتداخل البركة والكرامات ، مما يعني أن الشيخ يوفر الحصانة الروحية والحماية لأبنائه وحفدته ومريديه وأتباعه .
أبوعبيـــــد أبوعبيـــــد أنا فـــــي عـــــــار الله دالك الوالـــــــــــــــــي مايفرط فيـــــــــنا والي ونحن إذ عنونا هذه الدراسة بـ ” حفريات تاريخية في ذاكرة اجعيدان ” فإننا نقصد التاريخ السياسي المحلي، وبقدر ما يتضمن هذا العنوان جانبا من الغرابة من حيث جمعه بين متغيرين فهو في الوقت ذاته – هذا هو الأهم – صيغة للتفكير والمسائلة، فيما سميناه أدوارا وظيفية وتاريخية وسياسية لفن العيطة والتي من بين أهم تجلياتها أن لهذه الأغنية وقعها في حقل التحول السياسي والاجتماعي هذه الأغنية التي تختزل بصيغة ( بجعدية ) ذاكرة ( غناية ) وأصنافها من أساليب التعاطي مع وقائع التاريخ صغيرة كانت أو كبيرة سواء بالتمجيد أو بالتحليل أو بالتهكم والسخرية والتحقير، نستحضر بهذا الخصوص مقطوعات غنائية من تراث اعبيدات الرمى التي تؤرخ للتزوير الانتخابي والتي تفضح أساليب تدخل الإدارة في تزييف إرادة الجماهير .
لاش حيدتو لفحل ودرتو لكحـــــــــــــــل أش غدي نديــــر فقضيــــة التزويــــــــر ركبات لمواطـــــر خسرات لخوطـــــــــــر جات الغواتـــــة داتهم بثلاثــــــــــــــــة أش هاد الزمان حتى الصوت دار الثمن لوحــــــــو لوراق راه الحال ضيـــــــــــــاق لي فيه الدعــــــوي ايكون فالمجلس القروي تدين هذه المقتطفات بشكل صارخ تدخل الإدارة في هندسة الخريطة السياسية ورداءة العمل السياسي بفرض بعض المرشحين ضدا على إرادة الجماهيـــــــــر ( حيدتو لفحل و درتو لكحل ) فالفحل يقصد به المرشح المحبوب الذي يتمتع بقاعدة شعبية ، بينما يقصد بكلمة ( لكحل ) الشخص المنبوذ و المعزول الذي تتدخل الإدارة لصالحه ، و تنصب كرها عن طريق التزوير و قرصنة صناديق الاقتراع .
يقول الرامي في هذا الصدد ، ركبات لمواطر خسرات لخواطر جات الغواتـــة داتهم بثلاثـــــــة ( المواطر ) يقصد بهم فيلق دراجي الدرك الملكي المرافقين لعامل الإقليم حيث تسخرهم الإدارة لسرقة صناديق الاقتراع و طبخ النتائج على المقاس أثناء الفرز بمقر العمالة لذا فظهورهم من بعيد يبعث على الخوف نظرا لنوياهم السيئة .
أما الغواتة فهي سيارة الخدمة الخاصة برجال الدرك الملكي ( جيب ) المعروفــة ( بالواشمة أو أصحاب الوقت ) .
ومن هذا المنطلق فالتراث الشعبي المحلي مادة دسمة وغنية يمكن توظيفها لدراسة تاريخ المؤسسات السياسية والوقائع الاجتماعية .
*رئيس شعبة القانون العام كلية سطات