آسفي: غوص في عمق زاوية سيدي أبو محمد صالح الماجري
إعداد: محمد كرسي (ومع)
على بعد خطوات من كورنيش آسفي، تقع زاوية العلامة والشيخ سيدي أبو محمد صالح الماجري ، “شاهدة” على تاريخ يمتد لقرون عدة، موثقة لغنى وثراء الصوفية المغربية.
بمدخل زقاق ضيق بالمدينة العتيقة مفتوح على منظر خلاب وآسر مطل على المحيط الأطلسي ، تبدو بوابة بطراز معماري أنيق تؤرخ لقرون خلت، تحمل اسم هذا العلامة الجليل، وتمنح انطباعا أوليا لزائريها حاملة إياهم في رحلة عبر الزمان والمكان، بمجرد اختراق باب هذه التحفة الرمزية.
بداخل الزاوية، التي تضم ضريح ومسجد العلامة سيدي أبو محمد صالح الماجري المولود ( 550 للهجرة/ 1158 ميلادية – 631 للهجرة/ 1234 ميلادية)، يخيم صمت تخترقه، بين الفينة والأخرى، أصوات النورس الصاخبة، إنه غوص في مكان يعبق بالتاريخ والروحانية.
في قلب البناية، يلاحظ الحرص الشديد على الحفاظ على الروح والهوية التاريخية للزاوية لا سيما في ظل حداثة “تزداد شراسة يوما عن يوم” وتقضي على كل ما هو أصيل وطبيعي وأصلي.
وانطلاقا من “الواجب الأخلاقي”، أولا ولراحة أتباع الزاوية ولزوارها ثانيا، كل شيء محفوظ ومرتب بدقة لامتناهية …زليج وتقليدي، أقواس، خشب، وسجاد تقليدي.
ويتمتع هذا الصوفي المغربي ومنذ مطلع القرن الثاني عشر، بآسفي كما في المناطق المجاورة الأخرى، بصيت كبير، بفضل أعماله التي تجاوزت حدود الوطن
وحظي سيدي أبو محمد صالح الماجري بسمعة طيبة وعرف بعلمه الغزير.
ينحدر سيدي أبو محمد صالح ، وهو أحد رموز الصوفية بالمغرب، من قبيلة أمازيغية بمنطقة دكالة تعرف بـ “بنو ماجري” بمدينة آسفي حيث اشتغل في مجال التدريس وتدريب المتطوعين، بعد قضاء أزيد من 20 سنة بالمشرق مكرسا حياته للدراسة والتدبر الأمر الذي ساهم في إشعاع عمله ومنحه قوة معنوية وروحية مهمة للغاية.
ولشهرة هذا العالم بنصائحه النيرة ودروسه النظرية، كان مقصدا للبعثات التي تزوره في ذلك الوقت للاستفادة من علمه وتجربته كأحد كبار الصوفية، وواعظا نبيها وشيخا كرس حياته لنشر مبادئ إسلام قائم على التسامح والوسطية.
ويدين هذا العالم الجليل المعروف كثيرا بمنطقة عبدة، في شهرته ل “رباط النور” الذي أسس كمركز، الذي سرعان ما تحول إلى “وجهة” مفضلة للطلبة والأتباع الباحثين الحريصين على النهل من علوم الدين والفقه ومبادئ الطريقة الصوفية السنية.
وفي حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، استعرض حسن بن الشيخ ، مقدم الزاوية، لمحة شاملة عن حياة هذا العلامة ، مؤكدا أن “الشيخ كان رجلا صالحا وأمينا وصادقا كرس حياته لنشر تعاليم الدين الإسلامي وسنة الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام”.
وأوضح أن شغفه “بالتصوف الإسلامي بدأ في وقت مبكر جدا حيث أظهر موهبة كبيرة وقدرة خارقة على الاستيعاب والتعلم، وأن شغفه بالعلم وحب المعرفة دفعه لإنشاء، كما في الشرق ، زوايا ورباطات بلغ عددها 46 زاوية من أجل الذكر واكتساب العلم، حيث كان حريصا بصفة شخصية وبمساعدة معاونيه على استكمال مهام واضحة وجد محددة”.
وذكر بن الشيخ، أنه وبينما كان المغرب يمر، آنذاك، بوضعية خاصة، وترك المغاربة لأداء فريضة الحج لما يقرب من 80 عاما جراء المخاطر الجمة التي كانوا يتعرضون لها، عمل العلامة أبو محمد صالح الماجري على التصدي لهذه الآفة بالتحرك بالمملكة أو في بلدان أخرى، بإطلاق حملة دعائية من أجل فرض شعيرة الحج من جديد .
كما استعرض، من جهة أخرى، سلسة من الأنشطة التي تنظمها الزاوية، منها إقامة حلقات للذكر وتلاوة القرآن الكريم، وكذا إحياء السنة النبوية ، إضافة إلى الاحتفاء بالأعياد الدينية ، معربا عن امتنانه العميق للعناية المولوية السامية التي ما فتئ صاحب الجلالة الملك محمد السادس ، أمير المؤمنين، يحيط به الحقل الديني ومقدمي ومريدي الطرق الصوفية.
من جهته، توقف خالد فقيهي ، محافظ مساعد بالمديرية الإقليمية للثقافة، عند خصوصية هذه الزاوية ودورها في النهوض وإشعاع التصوف بالمغرب ، وكذا مختلف مهامها السوسيو-اقتصادية والتربوية والثقافية.