الإفلاس الحزبي يبحث عن “ضوباج” القاسم الانتخابي
بقلم: الأستاذ محمد الشمسي
حفرت الأحزاب المغربية الخنادق وهي تضع الأصابع على الزناد، فثمة حرب ستندلع بين بعضها البعض، ليس من أجل سباق برامجها الحزبية أو مقارعة أفكارها السياسية، التي تروم النهوض بالوضع المعيشي للمواطن، أو بصحته أو بتعليمه أو بسكنه أو بتشغيله أو ب…، بل فقط للتسابق نحو المقاعد في البرلمان والحقائب في الحكومة، والرواتب السمينة والدائمة التي لا تحبسها جائحة ولا جفاف ولا أثقال دين خارجي، ثم الاقتراب من مدفئة السلطة والجاه والنفوذ، والنوم تحت مائدة المنصب، ثم الخروج بتقاعد كبير ومريح، إنها معركة “القاسم الانتخابي” التي قسمتهم إلى أعداء، فاختلفوا بينهم هل يقسمون الغنيمة على مجموع الأصوات المعبر عنها، أم يقسمونها على الأصوات الصحيحة؟، وهل يقسمون خيرات الوطن على “الكبار” فقط أم “للصغار” حظ ونصيب في “الهوتة”؟.
ولا يثار غبار حروبهم بسبب القاسم الانتخابي في حد ذاته، بل هم متنازعون حول “عدد رؤوس المصوتين”، هل “يقسمون الوطن” استنادا إلى كل الأصوات أم إلى الصحيحة منها فقط دون الملغاة؟، وما تخفيه حربهم القذرة هو أن القسمة على عدد الأصوات الصحيحة فقط يقوي “تماسيح وعفاريت وحرايفية السياسة”، ويزيد “العلف في ظهر المعلوف”، وأما القسمة على كل الأصوات بدون استثناء ففيه حظ ونصيب ل”الحزيبات المجهرية” التي انتفضت وطالبت بحقها المعلوم في الفريسة، ويصبح البلد طريدة مخيرة في طريقة قتلها بين أن تستأثر بها أنياب كبار المفترسين أو تنافسها فيها العقبان الصلعاء وقطعان الضباع، وغيرها من المفترسات الصغيرات…
إذا كان وجود الأحزاب نقيضا للنظام الشمولي ومؤشرا على وجود نفس ديمقراطي تعددي، وشرطا لازما للتنمية في مفهومها الواسع، فلم يظهر لهذه المعادلة أثر في بلدنا الحبيب منذ الاستقلال، فليس رميا بالباطل إن قلنا أن الأحزاب المغربية باتت معاهد عليا لتعليم فنون الفساد والإفساد، وتدريس أصول الانتهازية، وتكوين المواطن ليكون له “أكثر من وجه”، فيرهن المبادئ لدى سماسرة الانتخابات، ويجعل من العملية الانتخابية بورصة يلجها من يملك المال أو الفتاوى، ويعشق “قضاء حاجته” حد الدوس على حقوق غيره وبنشوة منه ومتعة، أحزابنا المغربية مريضة ومحتلة ومختطفة من طرف رهط من المنافقين الوصوليين، المفترين الأفاكين الجشعين الشرهين الذين لا يتقنون غير أعمال النهب، وإغراق سفن الشعب.
هؤلاء السياسيون الكسالى هم الخلية السرطانية في بدن الوطن، يريدون اليوم أن يحكموا الشعب ليس بالعمل الجاد الدءوب بمقترحات سياسية حقيقة وواقعية نابعة من آلام وآمال الأمة، يحققون فيها تواصلا فنجاحا حلال طيبا مباحا، بل يريدون إضفاء الشرعية على إفلاسهم ووهنهم وخذلانهم وغدرهم بمطالبتهم بخفض “معدل النجاح” بدل تحقيق الأمجاد لقطف النجاح، يريدون تفصيل “قاسم انتخابي” على مقاس كسلهم، يمنحهم الحق في الركوب على رقاب الشعب وضخ تاريخ الأجيال في حساباتهم البنكية وتوزيع ما تبقى على سلالاتهم،
كما يجنح الرياضي الغشاش إلى “الضوباج” للظفر بفوز مغشوش مسروق، تلك هي حرب القاسم الانتخابي، يريدون بها تحويل المشهد السياسي إلى أسلاك كهربائية عارية تنهكها تماسات وشرارات، وأما من يعارض منهم “وزيعة القاسم الانتخابي” بحلته المشوهة فليس دفاعا عن تفوقه المنشود، ولا من أجل سواد عيون الشعب المنبوذ، بل إنه يرغب في الاستفراد بالفريسة ليحملها إلى أعلى قمة، ويلتهمها بمفرده أو مع “إخوته في العشيرة” هنيئا مريئا، و بعيدا عن عيون المفترسين المتطفلين.