التغيرات المناخية في زمن كورونا تزيد من حدة الوضع البيئي والاقتصادي
جورنال أنفو
في الوقت الذي يعيش فيه العالم على وقع أزمة صحية استثنائية جراء فيروس كورونا (كوفيد-19) الذي يواصل الانتشار في جميع أرجاء المعمور، والجهود الكثيفة المبذولة على كافة المستويات للحد من عدد الإصابات من جهة وتقليص حجم التداعيات السلبية ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي من جهة أخرى، تزيد التغيرات المناخية وآثار الاحتباس الحراري من حدة الوضع البيئي والاقتصادي.
ولم يتوقف تغير المناخ رغم تباطؤ النشاط الاقتصادي بسب التوقف الجزئي أو الكلي للمصانع ولحركة الطيران ولباقي الأنشطة المخلفة للانبعاثات، فقد بلغت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي مستويات قياسية، بل إنها في تزايد مستمر، حسب تقرير حديث للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
وتوقع هذا الإصدار أن يشهد العالم أحر خمس سنوات مسجلة، مرجحا أن يتواصل هذا المنحى، الكفيل بتفويت بلوغ الأهداف المتفق عليها للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند مستوى يقل عن درجتين سلسيوس، أو عند 1.5 درجة سلسيوس فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.
وبالمغرب، اعتبرت المديرية العامة للأرصاد الجوية، أن المغرب يعد حاليا من بين المناطق التي ستتأثر بالتغيرات المناخية في منطقة الحوض المتوسط وشمال إفريقيا، مشيرة إلى أن المعطيات المناخية المرصودة على المستوى الوطني تظهر أن معدل اﻹحترار يقدر ب 0,33 درجة سيليسيوس في كل عشر سنوات، وهو معدل يفوق المعدل العالمي العام.
أما في ما يخص سيناريوهات المستقبل، فقد أكدت هذه الهيئة المتخصصة في الرصد الجوي، في معطيات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء أن المغرب ومنطقة شمال افريقيا والشرق الأوسط عموما، ستعرف احترارا قد يصل إلى 0,5 درجة سيليسيوس كل عشر سنوات حسب المنطقة والسيناريو، مضيفة أن المغرب، سيعرف أيضا بحسب الإسقاطات المستقبلية، ندرة في التساقطات، بسبب اتجاه معظم المناطق الشمالية للمغرب نحو مناخ أكثر جفافا، مع تزايد في مدى موجات الحر.
وفي الواقع، تكتسي التغيرات المناخية أهمية بالغة داخل المنظومة البيئية بجميع مجالاتها، نظرا لارتباطها الوثيق بتفاوت درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر وسقوط الأمطار وتقلب الأحوال الجوية، ما ينعكس بدوره على صحة الإنسان وسلامته والانتاج الفلاحي والأمن الغذائي والمائي، ومن ثم على مستويات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وفي تعليقه عن هذا الوضع، قال المنسق الوطني للإئتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة عبد الرحيم كسيري، أن المغرب سجل مؤخرا ببعض المناطق فيضانات وأمواجا بحرية ساحلية ضخمة بالإضافة إلى تساقط البرد الذي أتلف جزءا مهما من المحاصيل الفلاحية، وهو الشيء الذي زاد من تفاقم الوضعية الاقتصادية لمجموعة من الفلاحين الصغار المتأثرة أساسا بسبب الأزمة.
وعزا السيد كسيري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء هذا الوضع إلى موقع المغرب ضمن الدول الأكثر تعرضا للتغيرات المناخية، الملاحظة بجلاء في اختلال الفصول وبالتالي تغير الدورة الزراعية وتزايد الهشاشة بسبب تزايد التصحر، في ظل استمرار ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل مقابل تراجع مؤشرات التساقطات، وفقا لكل السناريوهات والتقارير العلمية المتعلقة بالموضوع.
ونظرا لاستحالة التحكم في التغيرات المناخية، أكد السيد كسيري أن “خيارنا الوحيد هو التكيف مع الوضع المناخي الجديد، من خلال تدبير مندمج للموارد المائية والفلاحة المستدامة واعتماد مقاربات بيئية ناجعة تأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الديموغرافية والتكنلوجية والاستراتيجية”.
كما اعتبر أن تسريع منظومة الانتقال الطاقي كفيل بالحفاظ على تموقع المغرب كرائد في المنطقة على مستوى الطاقات المتجددة، من خلال إدراج إصلاحات تشريعية وتقنية تعمل على تعزيز الحكامة المناخية والمائية للمملكة وتمكن من الإستفادة من الطاقات المتجددة.
وأكد أن هذه الإصلاحات ستمكن المغرب من التوفر على رؤية على المدى البعيد، تشرك كافة الفاعلين في القطاع الطاقي، وتدمج جميع فئات المجتمع، فضلا على إرساء مقاربة استباقية تعزز من قدرة الصمود أمام التغيرات المستقبلية ذات الطابع البيئي والطاقي وتنسجم مع أهداف التنمية المستدامة.
ويرى السيد كسيري أن الاختيارات المتوفرة لتحقيق مقاربة بيئية ناجعة ومستدامة تهم ثلاث محاور أساسية تتصل بالمجال الطاقي أولا، مبرزا في هذا الصدد أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو نجاح ورش الطاقات المتجددة ذات التوتر الكبير، لكنه مطالب بمضاعفة الجهود قصد تحرير الطاقات وتمكين المواطنين والمقاولات من إنتاج طاقتها الكهربائية الخاصة ذات التردد المتوسط والمنخفض، واستثمار الفائض سواء عبر توزيعه على الشبكة الوطنية أو تصديره نحو الخارج.
أما المحور الثاني، فيتعلق حسب المنسق الوطني للإئتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة بمجال النقل، واقترح في هذا السياق توجيه الاستثمارات نحو النقل الجماعي والنقل الفردي النظيف والخفيف كالدراجات الكهربائية، وتحفيز الاعتماد على السيارات الهجينة أو الكهربائية عوض تلك المعتمدة على الوقود، مشيرا إلى أن العالم مقبل على تغييرات ضخمة وسريعة في عالم النقل من قبيل المراهنة على اعتماد الهيدروجين كبديل للوقود الأحفوري (البترول).
وأشار إلى أن الفلاحة المستدامة والايكولوجية تبقى ثالث المجالات الكفيلة بتحقيق هذه المقاربة البيئية، مؤكدا أن الرجوع إلى زراعة أنواع نباتية لا تستهلك كمية كبيرة من المياه واعتماد طرق سليمة للإنتاج كالسقي الموضعي والاقتصادي وتقنين حفر الآبار، واستغلال مياه الأمطار، وتخفيض استعمال المبيدات وترشيد أنماط غرس البذور، تشكل عوامل رئيسية من شأنها ضمان تنافسية الفلاحة المغربية من جهة وتحقيق تموقع سليم ومستدام لا يحرم الأجيال القادمة من الموارد المائية ولا يثقلها بالديون.
وبعد أن أكد أن المبادرات الملكية مكنت المغرب من اعتماد سياسة بيئية مستدامة من خلال احتضان المغرب سنة 2016 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 22) بمراكش، وإطلاق عدد من مشاريع الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، دعا الى استثمار هذه المكاسب للخروج من أزمة كوفيد-19 متعددة الأبعاد والرهان على إقلاع حقيقي في السياق الدولي الحالي الذي يعرف توجها عالميا سريعا نحو الانتقال الطاقي والفلاحي والإيكولوجي.
والأكيد أن انتشار فيروس كورونا يرتبط مباشرة باختلال المنظومة البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية، لتتحول بذلك الأزمة الصحية الحالية إلى فرصة مثالية لتسريع إصلاحات كبرى في المنظومة البيئية العالمية وزيادة الوعي بالدور الذي تضطلع به التغيرات المناخية في مستقبل البشرية.