آمنة والحجاب
بقلم الأستاذ : صلاح الوديع
من حق السيدة آمنة علينا ومن حق كل من وقفوا في صفها من أجل الدفاع عن حقها في حماية حياتها الخاصة، من حقها علينا ذلك، من منطق حق الجميع، خاصةِ القوم وعامتهم. علما بأن التحجج بالحياة الخاصة والحريات الفردية لم يعد مقتصرا على الحداثيين واليساريين، بل امتد – وذلك شيء محمود – إلى صفوف أصحاب الاسلام السياسي أنفسهم، منذ الوقائع الحميمية المعروفة…
ما يدفعنا لتأكيد حق السيدة آمنة بكل بداهة، هو إيماننا الذي لا يتزعزع بحق الجميع في ذلك من منطق الحق في التمتع بحرياتهم الفردية. وإنه لمن الإيجابي أن يتم دفاع الجميع عن حق السيدة النائبة من هذه الزاوية لأن ذلك يعيد طرح موضوع الحريات الفردية مجددا على بساط النقاش العمومي، لا تمنعنا من ذلك أولويات المطلب الاجتماعي المتعدد الذي تزداد ملحاحيته يوما عن يوم.
وما دمنا نتحدث من منطلق يبدو مشتركا (الحريات الفردية) فلا ضير من التذكير أن هذه الحريات في مفهومها العام – الذي لا يقبل التجزئة في عرف منظومة حقوق الإنسان الكونية – تتضمن من ضمن ما تتضمن حرية الضمير والمعتقد والحق في الحياة وحرية التصرف في الجسد وحق الفرد في الحماية من الاستعباد ومن التعذيب ومن المعاملة المهينة والحاطة من الكرامة والحق في الزواج وحرية إنشاء أسرة والحق في الحياة الخاصة وحرية التعاقد مع الغير والحق في التصويت والحق في مقاومة الظلم والحق في المشاركة في التجمعات السلمية والحق في المِلكية والحق في اختيار الميول الجنسي والعلاقات الرضائية بين البالغين غير المتزوجين…
إذا كنا نناقش حالة السيدة آمنة من هذا المنطلق في فهم الحريات الفردية التي تتضمن كما أسلفنا حماية الحياة الخاصة للأفراد، فأهلا وسهلا، ولتكن لحظة توافق نهائي يهم جميع المغاربة ولنقلها بالفم المليان..
أما إذا نحن أشهرنا هذا السلاح فقط لحماية تصرف شخص واحد أو لضرورات التراشق السياسي المتكرر، فلا فائدة من هذا التوتر الإضافي.
من جهة أخرى، ما يُخرج موضوع صورة إحداهن بلا حجاب بعد أن كانت تضعه باستمرار وبشكل منهجي، ما يُخرجه من دائرة السلوك الخاص المحمي بمنطق الحريات إياها إلى حلبة النقاش العمومي المشروع هو المنطق المتحكم في وضع الحجاب آنفا ومُسوِّغاتُ سلوك صاحبته اجتماعيا وسياسيا في دفاعها العلني عنه، لا باعتباره نموذجا من نماذج اللباس والموضة، بل باعتباره يمثل قيمة روحية ودينية وسياسية تبعد من لا تضعه من النساء من دائرة العفة والاستقامة وتضعها في مصاف مصادمة الدين الحنيف… هاهنا مربط الفرس يا سادة ويا سيدات.
فليس أخلاقيا (بالمعنى الفكري والفلسفي لا المعنى الدارج) أن تعمد جماعة ما (سياسية-دينية) إلى خلق وتقديم صورة العفاف إلى العامة في شكل حجاب أو لحية أو ما شابه، على اعتبار أن المختلف عن ذلك ساقطٌ دينيا وأخلاقيا أصلا وتحصد من وراء ذلك حظوة وسلطة (ولو هزُلت) ومنافع، ثم تعمد نفس الجماعة أو من يمثلها رمزيا وسياسيا إلى التخلي عنها فرديا وفي فضاء خارجي بعيد – مبدئيا – عن عيون العامة، كأنما يقترف فعلا مشينا…
لا يهمني أن تخلع السيدة آمنة أو تضع. ذاك شأنها ولا ألتفت إليه.
ما يهمني هو الاستعمال الذي رُصد للحجاب والذي أثر عقودا من الزمن على المجتمع في اتجاه جره إلى الوراء وكرس الاستقواء على النساء، بعد أن كابدت الأجيال في سبيل كسب الحريات الأهوالَ كما نعلم…
يبقى أن السيدة آمنة لها الحق في أن تتابع قضائيا من يكون قد زور ونشر صورها بلا حجاب. أنا معها في ذلك بدون تردد.