الرميد وقضية ماء العينين
بقلم الدكتور : رشيد لزرق، خبير القانون الدستوري والشؤون البرلمانية
يبدو أن مصطفى الرميد، وزير الدولة في حقوق الإنسان، باعتباره حامل رمزي للخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو الذي قاطع المجلس الحكومي لأسابيع احتجاجا على تأخير نشرها بالجريدة الرسمية لولا تدخل ملكي( يبدو) أنه غير مستوعب للرهان المصيري الحالي الذي تشكله هذه الخطة في توطيد قيم الاستقرار والتعايش واحترام الحريات، وقد ظهر هذا جليا من خلال التصريح الذي أدلى به حول قضية النائبة أمينة ماء العينين، حيث لم يدافع حامل هذه الخطة عن حق المواطنة أمينة ماء العينين في ممارسة حياتها العادية والسياسية بشكل حر دون ربط مسؤولياتها السياسية بإكراهات تمس المظهر واللباس والشكل .
و هذا الوضع يطرح سؤالا عريضا حول ما إذا كانت قوى التدين السياسي تستأمن تنزيل الخطة الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان؟ و هل تستطيع تثبيت مواصلة حلقة التغيير السياسي و تكريس حقوق الإنسان وتعزيز دينامية الوعي الحقوقي وتدعيم المبادرات المساهمة في انبثاق ديمقراطية تشاركية؟
و ما يظهر الآن من ممارسات و طريقة التعاطي مع الأحداث، يوضح أن لوبي التدين السياسي عاجز عن اعمال قيم الخطة الوطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
كما أن التطورات الأخيرة تظهر بالملموس ازدواجية الخطاب و الممارسة لدى هذا اللوبي.
وهذا، ما يجعل مكونات المجتمع تقف على قدر متساو من المسؤولية التي لا يجب التقصير في أدائها أو العمل على خلق مشاكل هامشية و تضخيم العرضي و تهميش الجوهري إلى حد السقوط في الإسفاف و تصيد الأكاذيب المبثوثة هنا و هنالك ،خاصة مع تطور وسائل الاتصال و دمقرطة المعلومة.
وما يثير الاستغراب أن قوى التدين السياسي التي تدعي العفة و تواجه مطلب الحريات بالثوابت الجامعة هي التي تمارس حريتها، وهي نفسها المدمنة على هذا الجنس من الدعاية و التشهير.
و ليس عيبا أن يخطئ شخص في اجتهاداته و تقدير الأمور بشكل يختلف مع الآخرين، في إطار مجتمع تعددي، بل العيب هو أن تعشش عقلية الإقصاء في عقول بعض من يعتبرون أنفسهم من ورثة القيم و يختصرون الثقافي في قضية الحجاب و النقاب و تعدد الزوجات.!!
لذا يجب أن نتجاوز فكرة المجتمع القائم على الصراع من أجل الإقصاء وغلبة طرف واحد إلى مجتمع الوفاق الذي يتغذى من الصراع و يحافظ في نفس الوقت على التنوع، ونكف عن إعطاء حق المواطنة لمن يوافقنا في الرأي.
إن جميع الأطراف غير محصنة، من تهمة الازدواجية بالنظر إلى مرجعياتها.
كما أن نقاش مسألة الهوية على ضوء التطورات الراهنة، يبين أن قوي التدين السياسي كانت تبرر رفضها الحريات الفردية بدعوى التخوف على الاستقرار، و الفتنة. مما يجعلنا أمام نوع من الانتقاء الحقوقي. وهذا يحتم علينا اليوم تنزيل الخطة الوطنية للديمقراطية و حقوق الإنسان، في إطار وضوح قيمي يأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان بشموليتها كما هي متعارف عليها دوليا.