جسد تحت الطلب
بقلم الأستاذ : رشيد بونويجم
كثرة التسميات حول الموضوع الماثل أمامنا، إلى درجة أنه خلق ضجات عديدة واتهامات مبعثرة، لا أساس لها من الصواب أو الصدق..
هناك من يسميها ظاهرة الفساد السلوكي والأخلاقي، وهناك من ينعتها بالدعارة، وهناك من يلقبها، بالحرام، ومنهم من يبدع في التسمية ويصفه بجنس للبيع، أو جسد تحت الطلب..
خارج هذه النعوت، سنخالف الوعي المشترك، وما يؤمن به رعاع الناس لنختار، صيغة الحياد النسبية، ونوظف مفهوم العمل الجنسي احتراما منا للجهود العلمية لكل من فاطمة المرنيسي وعبد الصمد الديالمي، كسوسيولوجيان مغربيان، لهما اجتهادات بحثية ونظرية محترمة، في ظاهرة العمل الجنسي بالمغرب، وكالعادة المنهجية لن نعمم ولن نطلق أحكاما سابقة لأوانها، ولن نحاسب أي أحد أخلاقيا، بل سننصت للقاع الاجتماعي، ونحاول فهم ما يتخبط فيه بعض أفراد المجتمع المغربي، بدءا من مسألة كيفيات الولوج إلى عالم العمل الجنسي، فمداخيله متعددة ومتنوعة، منها العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وبمجرد فقدان البكارة أو وقوع حدث الحمل، لا يقع التوافق مع الصاحب أو الحبيب، يهجرها نكرانا أو هربا من المسؤولية، فترفضها العائلة بسبب الفضيحة، فأول ما ينجز السفر إلى مدينة أخرى تمنحها إخفاء الوصم والعار، فإما تختار عمل بدوام كلي أو جزئي وإن وجدت وإن لم تجد، تجرب العمل الجنسي بالتدريج خاصة إذا وجدت من يحفزها، وهذا الأمر منتشر بكثرة، بالخصوص إذا كانت المستقبلة صديقة ما تحترف نفس العمل..
وهناك مدخل أخر هو كثرة العلاقات خارج إطار الزواج فتحب التقدير والجلوس في المقاهي والأكل في المطاعم، وينضاف لذلك الهدايا، المالية أو الشكلية، فتنظر لنفسها أنها لا حاجة لها للزواج، مادامت تحقق كل شيء، الخرجات بالسيارات الهدايا أشكال وأنواع، تحقق رغبتها الجنسية دون أدنى عبىء ومشاكل الزواج، فتختار العزوبية المنتجة حتى تجد نفسها أنها تقدم نفسها كسلعة للبيع والشراء فتغمرها الفرحة، وإذا بها وضعت اللمسة الأولى في طريق مهنة العمل الجنسي، ويزداد هذا الأمر حدة إذا كانت العائلة تعاني الفقر والهشاشة والمشاكل الاجتماعية.
وقد نجد صنف آخر قادم من الفتيات العاملات اللواتي في أغلب الحالات يشتغلن في مدن صناعية بعيدا عن الأهل، أي يتمتعون بالحرية، فيحبون بناء العلاقات الرومانسية، أو يغرر بهن حتى يدركن في وقت قصير أنهن فقط مطرح لقضاء الرغبات الجنسية المكبوثة، أو عندما يصبحن فاقدات لأمل الزواج يبدأن بالتضحية الجنسية لعل وعسى ينتهي الأمر بالزواج، ولكن لسوء الحظ يوصل هذا الباب إلى الحفر الليلة والسهرات الماخورية، بتدريج يبسط الأزمة. وفئة أخرى تصل للعمل الجنسي رغم أنها شبه مثقفة وهن الطالبات الجامعيات اللاواتي أدركن الحرية والسكن الفردي وخرجن من شرنقة الرقابة الأسرية، فيبحثن عن طرق التفاخر أمام القرينات، حتى يجدن أنهم طعم سهل للسيارات والباحثين عن المتعة ببعض الهدايا والدريهمات فتتحف نفسها بالملابس والتطرية وتتفاخر بالحبيب، إلى أن يهجرها، لينتقل لزهرة أخرى جديدة تبحث عن نفس الهدف فتسهل عليهم المهمة، والأخرى التي هجرت تبحث عن البديل إلى أن تصبح ممتهنة عن غير قصد العمل الجنسي والاحتراف طبعا، في حين قد نجد فئة خاصة وهن المعجبات بجمالهن اللواتي يعرفن أنهن جميلات للغاية فيصبح لهن نظرة دقيقة وحميمة حول أجسادهن، التي تصير هي الرأسمال الذي يمكن من خلاله تحقيق أي شيء كان، في هذه اللحظة التي تنضج هذه الفكرة تصبح القضية الحقيقية لذاتها هي الجسد الذي يصبح شغلها الشاغل تجمله وتنمقه.
وتعتني به من أجل التصريح به في الشارع العام، هكذا فهي لا تعي بشكل مباشر أنها تقدم نفسها كمنتوج قابل للبيع أو الشراء، بتجربة تلو الأخرى تقتنع بالمسار الذي وضعته لنفسها، والغريب في الأمر أنه في البدايات قد يتجلى الأمر كتحدي أو مغامرة غير محسوبة أو طيش لكن ستجد نفسها بعد وقت وجيز أنها زجت بنفسها في دوامة العمل الجنسي، ولا ننسى أن هناك حالات استثنائية هي تحب وتختار العمل الجنسي بشكل قصدي وعن وعي تام، بناءا على ما تقدم نحن لا ندعي الإطلاقية في مقاربة الظاهرة، بل فقط إخترنا الحفر في أحد جوانبها وهي بعض مداخيل العمل الجنسي، التي تساهم في إعادة إنتاج وتكريس الظاهرة، لأنه مادامت نفس المسببات ستستمر نفس النتائج فقط تختلف تلوينات وتجليات الظاهرة.
ما يمكن القول أنها صعبة المسك والفهم. لهذا فالعمل الجنسي هو التعويل على الجسد كوسيلة لتكسب عن طريق تقديم الخدمة الجنسية، وتجدر الإشارة أنه داخل حقل العمل الجنسي هناك أصناف وأشكال متعددة من الدرجات، فالعمل الجنسي يبدأ من أبخس المستويات وأرخص الأثمان وصولا إلى العمل الجنسي الراقي.. الهاي كلاس.. أي ما يسمونه توظيب العلاقات العامة، وحتى أوقات العمل تختلف من فئة إلى أخرى يضيق المجال لتفصيل، لكن نتمنى أن نكون أفلحنا في تخريج المعلوم من المجهول .