جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

حزب العدالة والتنمية حزب ظلامي.. ؟!

 

بقلم الأستاذ : عصام العباري

 

حزب العدالة والتنمية حزب ظلامي؟ وصف مازال البعض يتداوله رغم انقضاء مدة استهلاكه في فترة ما بعد أحداث 16ماي ، ويتجدد كلما اقترب الموعد الانتخابي محاولة من البعض تشويه سمعة حزب سياسي يترأس الحكومة المغربية بتعيين من أعلى سلطة في البلاد وفق أحكام الدستور وبناء على انتخابات شعبية، وهو ما دفعنا إلى التفاعل مع هذا النقاش من خلال طرح وجهة نظرنا في الموضوع.

حركة التوحيد والاصلاح، الأم.. 

قبل الحديث عن حزب العدالة والتنمية، لا بد وأن نجتر سياق تأسيس هذا الحزب كذراع سياسي لحركة التوحيد والإصلاح.. هذه الحركة التي كان رجالها في سبعينيات القرن الماضي، ينتظمون في في إطار ما يسمى” الشبيبة الإسلامية”، وهي تنظيم إسلامي سري، من مبادئهم الكفر بالعمل السياسي ويصفون الدولة بالطاغوت، وكان التدافع المسلح خيارا لتصفية الخصوم والدفاع عن حرمة الدين، في وقت كان يعرف تنامي التيار الماركسي الذي لا يتوانى كذالك في تصفية الخصوم وخصوصا أصحاب المرجعية الإسلامية.. وهنا يمكن الرجوع لتاريخ الصراع في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينات، إذ يمكن القول إنه صراع من أجل البقاء بين التي أرين، واستفادت منه الدولة بشكل كبير.

تأسيس الحركة، جاء بناء على مراجعة لمجموعة من الأفكار وقراءة ثانية للنص الديني، مراجعة أعطت ثمارها بتأسيس هذا التيار والعمل في العلن بدل السرية، قرار اعتبره حراس المعبد الديني خيانة وبدعة لأنه يؤسس لمنهج يعارض مفهوم الجماعة الناجية، ويقسم وحدة المسلمين.

الوحدة للعمل

انطلق العمل في حركة التوحيد والإصلاح بعدما توحدت الحركة التي كانت في السابق “حركة الإصلاح والتجديد ” و”رابطة المستقبل الإسلامي”، وهي الجماعة التي كانت تضم نخبة رجالات الدين في المغرب، ليقتصر عمل الحركة في إطار الوحدة على التربية على أصول الدين والفهم السليم له سلوكا ومعاملة.. وهنا لا يمكن أن يزايد أحد على أهمية هذا التيار في هذا الجانب، فقد كشفت المتابعة لهذا التيار بأنه كان فعلا حصنا حصينا للحد من تنامي الفكر الوهابي، والذي كان يعرف دعما من قوى إقليمية وحتى وطنية في سياق سياسي معين.

ويرجع هذا الدعم حسب أهل الفكر المخزني آنذاك، إلى أن هذا التيار كان بمتابة حصن ضد تنامي التيار الماركسي الذي يشكل تهديدا لبنية الدولة واستمرارها، الأمر الذي استطاعت الحركة  إضعافه، بل شل حركته في الجامعات التي كانت تشكل أحد أهم مراكزه.

مراجعات

عرفت الحركة مراجعات كبيرة وتجديدا ثوريا على مجموعة من المفاهيم، منها إيمانها بأن العمل السياسي من داخل المؤسسات والإيمان بالتوابث الوطنية وإمارة المؤمنين، له أصوله من الدين، وهو ما أعطى فرصة للتيار السلفي أو الصوفي لتكفير أو اتهام الحركة بالابتداع في الدين.. ومنهم من اتهمها بالخيانة والتقية للوصول إلى أهدافها.

وقد وصل هذا التجاذب أوجهه بعد أن بدأت مرحلة العمل السياسي والمشاركة في أول انتخابات تشريعية، باسم حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، ومن بعده حزب العدالة والتنمية.

التنظيم الجامع والتنظيم البديل والرسالية

وهذه من المفاهيم المهمة التي شكلت بنية فكر التيار الإسلامي، واستطاعت الحركة فرض قراءة تجديدية لهذه المفاهيم.. فالحركة إلى جانب تيارات أخرى إسلامية، كانت تؤمن بأن القوة والعنف منهجين أساسيين لتغيير الواقع الذي يخالف شرع الله، وانتقلت في بداية الثمانينيات بعد صراع كبير مع الدولة وبعض التيارات المعادية، إلى مفهوم جديد تم وصفه “بالتنظيم البديل”، أي العمل على أن تعوض الحركة المجتمع والدولة.. ويقتضي هذا المنهاج الاجتهاد في استقطاب الجماهير إلى هذا التيار وتقويته، إلى أن يصير بديلا حقيقيا وتتحقق من خلاله دولة الخلافة.

لكن الحركة انتقدت هذا المنهاج، رغم أنه من توابث الجماعات الإسلامية، و أعلنت تجديده بمفهوم “التنظيم الرسالي” الداعي إلى الإصلاح، و الرافع لواء الانفتاح و المشاركة على المجتمع و الدولة و مؤسساتها “، وبالتالي لم يعد العدد هو القوة بقدر التأثير الذي يمكن أن تخلقه الحركة من خلال أذرعها ومشاركتها السياسية في إطار التدافع الحضاري بين ما يصفونه فساد وإصلاح. 

المخزن والعدالة والتنمية

أقدام الحركة وذراعها السياسي حزب العدالة والتنمية ،على هذه المراجعات أعطى إشارات إيجابية للدولة لاحتضان هذا المولود الجديد، في إطار ضمان لتنوع في المشهد السياسي مع القدرة على الضبط، وهو ما اعترفت به قيادات الحزب بعدها.. فالدولة لم تكن تسمح للحزب بالمشاركة في كل الدوائر الانتخابية، حتى يقتصر حضورها في إطار التمثيلية السياسية لا غير، لكن يمكن الجزم بأن دخول الحركة إلى العمل السياسي، كان ثورة مجتمعية واستطاعت الدولة آنذاك تسويق صورتها بشكل إيجابي على المستوى الدولي، بعيدا عن مفهوم دولة الاضطهاد.

المشاركة السياسية

هنا لابد أن نقف عند مسألة مهمة ارتباطا بما سبق، فالحزب كان بين فوهات القصف، من جهة ، من قبل التيارات الإسلامية التي لم تستصغ هذا التراجع عن توابث الفكر الاسلامي المنبني على تكفير المؤسسات ، وهو ما تطلب مجهودا كبيرا لتأصيل هذه الخطوة.. فالحزب عوض مناقشة المشاريع الانتخابية كان بداية الأمر يجتهد في إقناع اتباعه بالمشاركة، وقد تبث أنه استعان بفتاوى اجتهادية لبعض العلماء منهم”محمد علي الصابوني” التي تؤصل للمشاركة السياسية ومنافعها المجتمعية وفي التمكين للدين والتدافع مع المخالفين ،
ومن جهة ثانية فالحزب كان بين فوهة الدولة.. هذه الأخيرة وإن فتحت الباب أمام الحزب للمشاركة السياسية، إلا أنها ثقة بضمانات و متابعة لهذا الحزب ، فالدولة أو المخزن لا يثق في تيار كان بالأمس القريب يؤمن بالانقلاب المسلح أو تعويض الحركة بالمجتمع ، وهذا ضروري ومن مهام المخزن الحفاظ على استقرار الدولة وضمان الوفاء إلى توابثها.

بعد 20 سنة من المشاركة السياسية

بعيدا عن ماذا قدم الحزب للمواطن ، يمكن القول بان الحزب ساهم بشكل كبير في تجديد الخطاب الديني ، وتغيير مفاهيم مجموعة من النصوص ، التي كانت تكفر بالدولة ومؤسساتها ، واستطاع ان يكون صمام امان للحفاظ على مقدسات الدولة ومنها امارة المؤمنين، وفق تأصيل ديني لهذا الرابط ، لان امارة المؤمنين في مفاهيم الحزب ، حسب قياداته ، الحصن الحصين لاستمرار الدولة وفق شرط البيعة بين الملك والشعب ، وهي اصل من اصول الدين ، كما ساهم الحزب في فتح الباب لبعض التيارات الى التفكير في المشاركة السياسية ، خطوة اتخذتها بعض الجماعات لكن في غياب ضمانات باحترام المؤسسات والمقدسات الوطنية وهو الصراع الذي مازال عنوان العلاقة بين الدولة وهذه التيارات

مواقف

دخول العدالة والتنمية المعترك السياسي ،فتح باب الصراع الايديولوجي على مصراعيه، بين تيار علماني ليبرالي حداثي ، واخر تقليدي ذي مرجعية اسلامية ، وكانت محطة “مدونة الاسرة ” وما صاحبها من نقاش مجتمعي ، خير اختبار للحزب الذي قبل التحكيم الملكي في هذه القضية ، ولم ينتقد المدونة رغم ما تضمنته من فصول لا توافق قناعات الحزب الى حد كبير

الموقف الثاني للحزب نخصه للحراك الشعبي 20فبراير ، وكيف اصطفت قيادات الحزب الى جانب الدولة (القصر) ضدا في مطالب شعبية ، مخافة تطور الامور في غيابات ضمانات ، مقاربة قد يختلف بشأنها ، لكنها اعطت اشارة انذاك بأن الحزب لا يمارس التقية الحزبية للوصول الى سدة الحكم او تغيير النظام

محطة ثالثة فقط من باب استحضار بعض المواقف دعما لوجهة النظر هاته ، ونخصها بعد قيادة الحزب للحكومة ، وكيف اعطى معنى للالتزام بقواعد اللعبة مع اعدائه ، ودافع عن احزاب كانت في القريب تطالب بحله ، وهنا يمكن ان نقارن بصراع الحزب مع قيادة التقدم والاشتراكيةفي فترة سعيد السعدي ، وما صاحبها من صراع ، وفترة الانسجام الحكومي لدرجة التماهي مع نفس الحزب في فترة بنعبد الله

هل حزب العدالة والتنمية حزب ظلامي؟؟

إذا كانت الظلامية هي وصف يطلق على من يؤمن بقدسية النصوص الفقهية دون تغيير او تمحيص أو اجتهاد ، ومحاولة مطابقة الفعل والفكر وفق السلف وما جاء في صحيحي البخاري ومسلم ، يمكن ان نصف حركة التوحيد والاصلاح وحزب العدالة والتنمية ، بالتيار التنويري المجدد للفكر الاسلامي ،الذي ساهم على الحفاظ على الوجه التقليدي لبنية المخزن ،وساهم في استقرار الوضع الداخلي للبلد ، لكن يبقى التحدي هو تنزيل هذا الاجتهاد الى ممارسة سياسية وفق مشروع مجتمعي ، وهذا ما فشل الحزب الى حد الساعة في تنزيله ، بعد ان ضاعت البوصلة لبعض القيادات التي دخلت بحر السياسة ، وهي لا تجيد السباحة

حصيلة الحزب

وجهة نظرنا هاته ، مساهمة للحد من التلاعب ببعض المفاهيم وخلق نقاش بعيد عن ما يفترض الخوض فيه، من يريد انتقاد الحزب فما عليه الا التركيز على الحصيلة ،وماذا قدم هذا الحزب من برامج للمواطن ، حزب العدالة والتنمية حزب سياسي كباقي الاحزاب ، والنقاش لابد وان يكون سياسيا وراقيا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.