جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

الله غاضب على الباطرونا ..!!

 

مصطفى غلمان

لا أعتقد أن الباطرونا في بلادنا تنتمي إلى الحس الوطني، وليس لها البتة حتى النزوع إلى الرحمة باسم الإنسانية.

هذا التوجس ليس حالة عبء من خيال مجنح، وليس انتقاما سيكولوجيا باسم الشكاوي الواردة على الصحافة والقضاء ووسيط المملكة بالآلاف إن لم تكن بالملايين؛ بل حقيقة وواقعا مؤسفا يتجرعه المقهورون المنبوذون باسم القانون والدستور ومواثيق الشغل.

إذا أردت التأكد من حالة الفصام المرضي الذي تعانيه عصابات الباطرونا ببلادنا، حيث يلزم الوقوف باندهاش مفارق على قصص من آلام وعذابات المشغلين أو الأجراء، فما عليك سوى الإنصات بتمعن لما يقاسيه هؤلاء من غبن واحتقار وكراهية من قبل من يستعبدونهم ويستحلبون.

فضدا على كل القوانين يستطيع الباطرون اتهامك وحصارك بكل الطرق من أجل الإذعان لسلطته. يستطيع، إن غضب عليك، إيذاءك وتجويعك. كما يستطيع أن يرمي بك خارج مدار الجغرافيا، متوعدا وخاسفا.

التفكير عند الباطرونا يقف في الزاوية التي تنفذ منها المساطر المتعلقة بنزاعات الشغل الفردية أو الجماعية؛ فهم لا يراعون مقتضيات القانون والمواثيق والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، كما لا يراعون الاتفاقيات الجماعية وقانون الشغل والقرارات التحكيمية والقضائية، وحتى القواعد العامة للقانون.

أحس كما لو أن القانون كتب بمدادهم ووضع فوق أوراقهم، ممططا فوق التمطيط ومعدا لتكريس هيمنتهم واستعلائهم.

هؤلاء وجدوا من أجل أن يأخذوا كل شيء. يطالبون بكل شيء، عدا التزاماتهم تجاه الأجراء الذين يعيشون تحت قهرية الزمن وغلبة وفحش متطلبات الحياة وغلاء المعيشة.

على الرغم من أن المغرب اهتم خلال السنوات القليلة الماضية بمواصلة الإصلاحات التي باشرها في إطار تنزيل مقتضيات دستور فاتح يوليوز 2011، حيث اهتمت هذه الاصلاحات بشكل خاص على ترسيخ دولة الحق والقانون والحكامة الرشيدة الضامنة للكرامة والحقوق والحريات والأمن، والتجاوب مع حاجيات المواطنين وتوفير شروط التنمية وإيجاد السبل الكفيلة بتطوير الاستثمار وخلق فرص للتشغيل، وبالتالي توفير أسباب العيش الكريم للمواطنين؛ فإن سياسات الحكومات المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا في إيجاد استراتيجية ملائمة في مجال التشغيل وتشجيع الاستثمار وتيسيره وتأهيل مواردنا البشرية وملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل وخلق جسور مع المنظومة التربوية والتعليمية وتعميم الوساطة العمومية في التشغيل لتشمل جميع طالبي العمل، وتطوير البرامج الإرادية لإنعاش التشغيل وتعزيزها ببرامج جديدة وتحسين وترشيد حكامة سوق الشغل، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه آليات الرصد في توجيه السياسات العمومية في ميادين التكوين والتشغيل.

لقد برزت أدوار إعاقة إصلاح منظومة التشغيل من قبل تكتلات اقتصاد الريع واخطبوطات النهب والسلب المنظم واضحة وجلية بعد أن استعصى اختراق حصون الباطرونا شديدة الاحتيال والشراسة. وألفت حكومات ما بعد دستور 2011 الارتماء في أحضانها غير آبهة بمطالب الشغيلة التي تروم في كل نضالاتها تحريك سقوف الأجور المنهوكة، ووقف نزيف الاستبداد والظلم المسلط عليهم، وخلق آليات جديدة لضمانات الشغل العادل والمنصف، ومراعاة الظروف الاجتماعية وإعمال مبادئ التحفيز والتأهيل وتوظيف القدرات والكفاءات.

يجب أن نعي جيدا مدى أهمية قيم كرامة وإنسانية الإنسان، إذ لا يمكن النهوض بهذه القيم دون التربية عليها وصناعتها؛ فالنهضة الثقافية والتنمية البشرية تقومان على أسبقية الكرامة في الشغل وتعزيزها اجتماعيا ونفسيا. أما الجوع القيمي فينتج لا محالة صفات التغول والإقصاء، كما أن مخالفة الاجتماع في تنظيم الحقوق والواجبات يعمق أزمة الارتهان على أخلاق المجتمع المعرفي وروحه الأثيرة.

إن القصور في فهم واستيعاب معنى العدالة الاجتماعية يعيد تدوير قصور الدولة في لجم ووقف عبث الإقطاعيين الجدد الذين يتسللون عبر كل وسائل الشيطنة الاقتصادية والفساد الإداري والمالي إلى جر الوطن إلى مخاطر تمس الأمن القومي والسلم الاجتماعي.

أكيد أن كل المغاربة يعلمون ذلك جيدا، ومؤكد أن أصحاب الحال يتآمرون بصمتهم المشين عما يحدث؛ لكن الله يعلم أيضا أن هذا الظلم القاسي والمؤلم لن يستمر إلى ما لا نهاية؟!!

الخميس 26 يوليوز 2018 – 22:05

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.