القــاضــي الإداري الاستعجـــالي و حمايـــة الحريـــات الاساسية على هامش قانون الطوارئ الصحية
بقلم الأستاذ : عبد اللطيف مشبال
* القــاضــي الإداري الاستعجـــالي و حمايـــة الحريـــات الاساسية (على هامش قانون الطوارئ الصحية و مشروع تعديل ق.م.م )
Le signe extérieur d’une bonne justice c’est l’excellence de ses procédures d’urgence
René CHAPUS) )
عـــبــــد اللـطيـــف مشـــبـــال
I ـ مقدمة :
1 ـ ترتفع في العالم وتيرة النقاش والسجال الناتجيْن عن تداعيات انتشار وباء كورونا وآثاره على مستوى الأفراد
و الجماعات و فعاليات المجتمع المدني في مختلف الدول بسبب تنامي تقييد الحريات الأساسية من طرف العديد من الحكومات التي لجأت إلى سَنِّ تشريعات تَحُدُّ من تلك الحريات : ( منع التجمهر و التجول إلا بترخيص ، استعمال الطائرات المسيَّرة للكشف عن المخالفين ، إقرار قوانين الطوارئ الصحية ، السماح للحكومات من طرف شركة ” غوغل ” باستغلال المعلومات التي تزودها بها الشركة عن مستخدِميها لقياس تحركاتهم ولمعرفة مدى انضباطهم واحترامهم لضوابط الحجر الصحي ، بحجة أنَّ الفائدةَ من ذلك النشر أهمُّ من حجبه ” يُذْكَر أنّ كوريا الجنوبية استعملت هذه التقنيات بنجاعة في محاربة الوباء…).
2 ـ تعالَتْ بالمناسبة العديدُ من أصوات بعض المفكرين وعلماء الاجتماع و السياسيين من مختلَف المشارب، محذِّرةً من مخاطر نمو استبداد الدول، والخِشْية من تحوُّل إجراءات محاصرة الوباء ذات الصبغة الاستثنائية إلى دائمة، مستغلةً الظروفَ الحالية لتعطيل أحكام القانون، و هي آراء تتسم بالغلو لتجاهلها أنّ الإجراءاتِ المتخذَة تَرْنو إلى الحفاظ على النظام العام الذي يُعَد وظيفةً أساسية للدولة، ناهيك عن أنّ تلك التحليلات لا تتّسم في معظمها بالدقة المتوخاة
و تنبني على افتراضات.
3 ـ عرفت بلادُنا جدلاً حقوقياً خصبا موازياً بسبب ما تضمّنه قانون الطوارئ الصحية الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 من إجراءاتِ تقييدِ الحركة والسفر وحظْر الخروج من المنازل إلا استثناءً ثم لاحقاً فرضُ حمل الكمامة، رافقَتْه خروقات من طرف البعض باستخفاف بل وحتى بتحدٍ مثلما تَجلّى في التظاهرات الليلية التي عمَّتْ عدداً من المدن
في توقيت متزامن عند بداية تطبيق القانون المذكور، واجهتْه بصرامة السلطات الواعية بمخاطر هذه التصرفات الطائشة والمشبوهة التي حاول البعض تبريرَها بانعدام الوعي أو بأسباب اقتصادية.
4 ــ لا ريب في أنّ حالة الطوارئ الصحية المُعلن عنها تتضمن منْح الإدارةِ سلطاتٍ أوسعَ لِفرض النظام العام ، إذْ أضْحى بإمكانها اتخاذ كل التدابير اللازمة لغلق محلات يُشتبَه في أنها مهدِّدَةٌ للصحة العامة أو قفل الحدود في مواجهة شخص أو أشخاص معيَّنين لنفس الأسباب أو غيرها من التدابير التي تستقل بتقديرها و تحديدها.
5 ـــ يجدر التنويه في هذا الصدد بما تضمَّنه العهد الدولي للحريات المدنية و السياسية الصادر سنة 1966 من إجراءاتٍ مُصاحِبة عند إعلان الدولة لحالة الطوارئ حيث ألْزَمتها بِأنْ لا تتخذَ الإجراءاتُ أدنى صبغة تمييزية . وألَحَّ العهدُ – الذي يتفوق في قوته على القانون الداخلي عملاً بصريح ما ورد في ديباجة الدستور-على أنّ حالةَ الطوارئ يجب ألاّ تكون في أي حال من الأحوال ذريعةً لحِرمان الأفراد من حقوقهم الأساسية كالحق في الحياة أو التفكير أو الاعتقاد أو أنْ تكون ذريعةً للترخيص بممارساتٍ غيرِ إنسانية مُحِطَّةٍ بالكرامة الإنسانية أو التعذيب أو العبودية والاضطهاد، بل وأزْيَدَ مِن هذا حيث تمنع الفقرةُ الاخيرة من المادة من العهد حرمانَ أحدٍ -تَعسُّفاً- من الدخول إلى بلده.
إنّ تطبيق قانون الطوارئ الصحية قد يترتب عنه حدوثُ بعض التجاوزات ، كالمَساس الصارخ بحقٍّ من حقوق الانسان. نستحضر -على سبيل المثال – حالةَ بعض المواطنين المغاربة الذين ظلوا عالقين في سبتة مِن ضمنِهم أحدُ الزملاء بالرباط ، ناهيك عن الآلاف منهم بالمطارات بتركيا ودول أخرى.
II ـ القضاء الإداري الاستعجالي و حماية الحريات الأساسية :
1 ـ في ظِل هذه الظروف الطارئة و الاستثنائية ذهب بي التفكير الى التأمل في دور مؤسسة القاضي الإداري الاستعجالي في الحفاظ على الحريات الأساسية و بالتالي على دولة القانون في مواجهة التدابير و الإجراءات التي تتخذها السلطات العامة بمناسبة تطبيق أحكام قانون الطوارئ الصحية وما قد ينتج عنها -أحياناً- من مساس بحقوق المواطن في التمتع بحرياته الأساسية المنصوص عليها دستورياً والمعترَف بها في المواثيق الدولية ، مقارنة ببعض التطورات المماثلة التي حصلت في دول أخرى كفرنسا و اسبانيا.
2 ـ حينما أُنشِئَت المحاكم التجارية بناءً على القانون رقم 53.95 الصادر بتاريخ 12/02/1997 كما تم تعديله
و تتميمه بالقوانين 01.13 و 16.10 و 08.05 و 02.18، ارتأى المُشرِّع -عندئذ – و بِهدَف تمكين المحاكم من أداء دورها المنشود في ترسيخ عدالة تجارية فعالة وسريعة ، أنْ يوسِّع من صلاحيات القاضي التجاري الاستعجالي ، فسَنَّ أحكامَ الفقرة الثالثة من المادة 21 من ذلك القانون المقتبَسَة من المادة 873 من القانون الفرنسي الإجرائي التي بفضلها أجاز لهذا القاضي الانعتاقَ مِن القيود التقليدية للقضاء الاستعجالي ، فأصبحت له إمكانيةُ اتخاذِ كلِّ الإجراءاتِ و التدابيرِ الاستعجالية التي تفرضها الظروف حتى ولو أُثيرَت منازعةٌ جدية ، مادام أنها تهدف الى دَرْء ضررٍ حالٍ يصعُب تَداركُه ، أو لِوضْع حدٍّ لاضطرابٍ ثبَتَ جَلِياً أنه غيرُ مشروع ، وهو اختصاص ضيق واستثنائي مُنح لرئيس المحكمة التجارية بوصفه قاضٍ للمستعجلات تحديداً فلا يحِقُّ للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية مُشاطرتَه إياه.(1 ـ محمد المجدوبي الادريسي :مؤلف المحاكم التجارية بالمغرب : طبعة 1998 ـ ص 118) ــــــ ( 2 – عبد الرحيم بحار : الإجراءات التحفظية في العقود التجارية ،طبعة 2014 ، ص 205 و 206 طنجة) ــــ ( 3 ـ امر صادر عن رئيس المحكمة التجارية بأكادير بصفته قاضيا للأمور المستعجلة في الملف الاستعجالي عدد 223/2011 امر عدد 318/2011 بتاريخ 22/06/2011 ـ غير منشور ) .
بفضل هذا الاختصاص أمْكنَ للقاضي التجاري الاستعجالي إصدار أوامر فرضت تدابير وقتية اقتضتها الظروف والوقائع المبسوطة أمامه لردِّ كل اعتداء على حقوق تجارية في انسلاخٍ تام عن القواعد العامة التقليدية الناظمة للقضاء الاستعجالي التي تحول دون المساس بأصل الحق بهدف حماية المصالح الاقتصادية المتواجدة قد تكون مؤقتة كما في مثال الضرر العام او تصحيحية كما في مثال الاضطراب غير المشروع بصورة ظاهرة … ( 4 ـ عبد اللطيف الشنتوف : العمل القضائي لمحكمة النقض في المادة الاستعجالية التجارية ـ ص 37 ـ طبعة 2016 ) ، مما يجوز معه القول أنّ أحكامَ الفقرة الثالثة المومَأ إليها سالفاً أرْسَت قواعدَ خاصة للقضاء المذكور تيسيراً لتأدية وظيفته في إقرار أمنٍ قضائي تجاري ، وساهمت الي حد كبير في ترسيخ عدالة تجارية فعالة. و هكذا فإن التجار استقلوا ليس فحسب بمحاكمهم التجارية الخاصة بهم، بل وأُنعِم عليهم بقواعدَ موسّعةٍ للقضاء الاستعجالي.
ويكفي للتيقن من ذلك الاطلاعُ على العديد من الأوامر الاستعجالية التجارية التي شملت على وجه الخصوص قضايا المنافسة غير المشروعة أو نزاعاتٍ تتعلق بالمِلْكية الصناعية أو المِلكية الفنية أو منعِ وقْفٍ تعسفي ومفاجئ لعلاقة تجارية بالتزويد و قضايا أخرى ذات أهمية معتبرة.
3 ـ بخلاف هذا الوضع، فإنّ القانون رقم 41.90 المُحدِث للمحاكم الإدارية ، رغم كونه صدر قبل قانون احداث المحاكم التجارية ببضعة سنين فقط، اكتفى في المادة 19 منه بإسناد وظيفة القضاء الاستعجالي لرئيس المحكمة الإدارية الذي يستمدّ اختصاصاتِه من القواعد المنظمة للقضاء المذكور الواردة في قانون المسطرة المدنية المحال عليها عملًا بأحكام المادة 7 من القانون سالف الذكر .
وبالبناء عليه، فإنّ سيف عدم المساس بالجوهر المنصوص عليه في الفصل 152 ق .م .م المُسَلَّط علي القاضي الاستعجالي الاداري، إسْوةً بنظيره القاضي الاستعجالي المدني، يقف حائلاً في العديد من الحالات دون تمكينه من الأمر باتخاذ تدابير وقتية ملجئة و جريئة تقتضيها ظروف الاستعجال، اذ لا يخفى- من موقع الممارسة- أنّ اصطناع نزاع وإضفاءَ مسحة من الجدية يشلان الفعالية المرجوة من مؤسسة القاضي المذكور ، متى كانت العبارة المعتادة التي تُعرِّف النزاع في الجوهر بأنه ” كل ما من شأنه المساسُ بأصل الحق ذاته وجوداً وعدماً أو يؤثر في كيانه و في الآثار القانونية التي رتَّبها القانون أو العقد.” تكتسي صبغة فضفاضة قابلة لاستعمالات متعددة !.
4 – رغم هذه الكوابح ، عرف مجال حقوق الإنسان والحريات الأساسية ببلادنا – وهو الحافز لهذا البحث- تَواتُرَ صدور أحكامٍ من القضاء الإداري، ذات طابع رائد ، صانَت حقوق الأفراد وحرياتِهم في مواجهة الإدارة مستعينةً بذخيرة صلبة لمضامين مختلف المواثيق الدولية والإعلانات العالمية التي انضمت إليها بلادنا، و إلى أحكام الدستور وروحه ، فألْغت قراراتٍ إدارية لمخالفتها أحكام القانون وانعدام شرعيتها ، وألزمَت الإدارة بجبْر الضرر ومنْح التعويض للمتضررين.
هذه الطفرة المتميزة للقضاء الإداري وتفاعله الإيجابي المشار إليه، لم تكن في منأى عن محصلة التطورات الأساسية والإيجابية التي عرفها المغرب في العقود الأخيرة و المكتسبات الحقوقية التي تحققت في ظل دستور 2011.
5- في فضاء هذا القضاء الرحب يتموضع القاضي ا لإداري الاستعجالي – باعتباره رأس رمح القضاء الإداري – الذي ساهم بقسط وافر ، رغم تواضع أدواته ، في منْح مدلولٍ ملموس لدولة القانون باعتبارها حسب المفهوم الدقيق للدولة في فكر شميدت ، تحتكر صناعة القرار المناسب في نطاق احترامٍ للقاعدة القانونية.
و هذا أمر لا يثير الاستغراب باعتبار أنّ القضاء الإداري هو حصنُ الحقوق و الحريات و مَلاذُ المظلومين ، و الضامنُ الحقيقي لتفعيل حقوق الإنسان في مدلولها الشامل.
فمن هذه الزاوية يُعتَبَر القاضي الإداري الاستعجالي المحامي الأول للحقوق والحريات الأساسية للمواطن من موقعه الريادي، وهو أمرٌ يُجمِع عليه الخطاب السياسي السائد ، و لئن تعلق اساسا بالقضاء الإداري الموضوعي . فالمجلس الوطني لحقوق الانسان لا يرقى الي هذه المرتبة من منظور المادة الثامنة من الظهير المؤسس له ، التي تعطي له فقط صلاحيةَ إصدار توصياتٍ بشأن الشكايات المُحالة عليه، وتوجيهها الي الجهات المعنية بها ، ومتابعة التوصيات ، وإمكانية إحالة النتائج المُتوَصّل بها على النيابة العامة المختصة إذا تَبيّن أنّ الأفعال مُجَرَّمةٌ قانوناً. و كذا الامر بالنسبة لمؤسسة الوسيط الذي لا يتوفر بدوره على سلطة في مواجهة الإدارة إذ تتحدد صلاحيته في تحرير تقرير خاص بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعنية قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة والتدابير الضرورية ضد كل مسؤول في الإدارة قام بعملٍ من شأنه الحيلولة دون قيام الوسيط بمهامه عملاً بصريح المادة 31 من الظهير المؤسس لهذه المؤسسة و في هذا السياق اعطت محكمة النقض المدلول الصحيح لهذه المادة اذ اعتبرت ( ان الإلزامية لا تكون الا للقانون و الاحكام الصادرة في اطاره و ليس توصيات الوسيط التي هي مجرد قوة اقتراحية ) ( 5 ـ قرار عدد 1296/3 بتاريخ 23/11/2017 عن الغرفة الإدارية ـ أورده ذ : العربي مياد ـ في مقال له بعنوان : مدى الزامية توصية مؤسسة وسيط المملكة ـ منشور في مجلة الوكالة القضائية ـ ع 1 ـ ص 99 ) .
III ـ وباء كورونا وانكماش الحريات العامة و القضاء الإداري الاستعجالي:
1 ـ نظراً لخطورة وباء ” كورونا ” الذي جعل الدولة في وضعٍ يمكن تسميته ” بين فكي كماشة “بسبب الضرر الفادح الذي يُلحقه الوباء بالمواطن بالاعتداء على حقه في الحياة ، الذي هو الحق الأول لكل إنسان ، ويحميه القانون بصريح الفصل 20 من الدستور، و بين ما يترتب عن الحجر المفروض لوقف انتشار الوباء من أضرار جسيمة تمسُّ الاقتصاد بكافة منظوماته، فقد لجأت الدولة الى سن قانون حالة الطوارئ باعتباره ،حسب الفيلسوف الإيطالي المعاصر ” جورجو غاميين” ( 5 ـ مؤلفه : حالة الاستثناء ـ نقله الى العربية ناصر إسماعيل ـ طبعة 2015 ـ ص 92 ) ، قرار سيادي ينشئ العلاقة بين القانون و الواقع في المقام الاول.
في هذه اللحظات الدقيقة التي تعيشها بلادنا – والبشرية جمعاء – أُثيرت تساؤلات حول مدى سلطة القاضي الإداري الاستعجالي في الحفاظ على الحريات الأساسية أمام الإجراءات التي تأمر بها السلطات العامة لتحجيم تلك الحريات، ومن ضمنها حظر الخروج، منع التجول، منع مزاولة انشطة تجارية محددة، حفاظاً على النظام العام، والأمن العام الصحي تنفيذا لقانون حالة الطوارئ الصحية الى غير ذلك من التدابير الاحترازية.
2 ـ لعلني لا أجافي الحقيقة إذا اعتبرتُ أنّ ممارسةَ القاضي الإداري الاستعجالي لدوره في الرقابة على أعمال الإدارة في الظروف الاستثنائية التي يكرسها القانون المذكور ، توسلا منه لاتخاذ تدبير استعجالي يحمي مؤقتا الطالب ، ليست بالأمر الهيِّن، إذ يتطلب منه اجراء تقدير دقيق لكنه الإجراء المطلوب منه اتخاذه ، للوصول إلى معرفة مدى توازنه بتقدير خطورة الظروف التي برّرت اتخاذَ الادارةِ القرارَ المطعونَ فيه الذي فرض تقييدا علي ممارسة احدى الحريات الاساسية في ظل الظروف الساندة بل و حتى في غيرها من الظروف بهدف صَوْنِ النظام العام . ومِن ثَمّ فإنّ اتخاذ أي تدبير استعجالي ،
او الحد منه، عند الاقتضاء، سيستوجب من القاضي المذكور الاعتمادَ على نص قانوني واضح ودقيق يمنحه سلطة محددة لحماية تلك الحريات ، إذ أن القواعد العامة المنظمة لطلبات وقف تنفيذ قرار اداري المنصوص عليها في المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الادارية تسند الاختصاص لهيئة جماعية مقيدة بالقواعد الاجرائية العادية البطيئة ، فضلا عن انها أضحت غير مسايرة للعصر، لا تكفي للحماية من انتهاك محتمل للمشروعية، في مواجهة طرف قوي كالإدارة، ولعل انعدام مقتضي قانوني واضح يعالج حالات المساس بالحريات العامة و يمنح للقاضي الإداري الاستعجالي سلطات محددة لصيانتها قد يفسر منحي قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 26/03/2020 مؤخراً الذي ألغى أمراً صادراً بتاريخ 23/03/2020 عن رئيس المحكمة الادارية بالدار البيضاء بصفته قاضياً للأمور المستعجلة كان قد أذِنَ بفتح الحدود لمواطن أجنبي ، وتعلَّلَت محكمة الدرجة الثانية بأنّ الاجراء المطلوب يمَسُّ بالسيادة ( الامر الاستعجالي الصادر بتاريخ 31/03/2020 الذي رفض مواطنين الرجوع الى المغرب بدعوى أن قرار اغلاق الحدود الجوية و البحرية تم طبقا لقوانين الطوارئ و ان ما قامت به السلطات يمثل المشروعية الآنية في ظل الوضع السائد ).
و هي احكام حظيت بتعاليق متباينة نذكر منها تعليق الدكتور صالح لمزوغي بتاريخ 20/04/2020 ـ منشور في مجلة الحقوق الذي انتقد قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط المشار اليه بدعوى ان الامر الاستعجالي المستأنف لم يمس بعنصر السيادة السبب بسيط ناتج عن كونه لم يصدر إبان قرار الإعلان عن الطوارئ الصحية ( 6 ) .
كما نذكر منها تعليق الأستاذ بوسلهام الشمعة الذي أبدى فيه رأيا معاكسا لرأي الأستاذ لمزوغي ، معتبرا وجاهة قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط المشار اليه بعلة ” أن دور القضاء الإداري في رقابته على اعمال السلطة التنفيذية المتخذة في اطار حالة الطوارئ الصحية تخرج بطبيعتها عن رقابة القضاء الإداري بحكم تصنيفها ضمن اعمال السيادة الداخلية و الخارجية ، و أن اثارة محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط في احد قراراتها لهذا الطابع السيادي للقرار المعلن عن تعليق الرحلات الجوية القادمة و المتوجهة من و إلى المغرب للحد من انتشار وباء كورونا ـ كوفيد 19 ـ لا يعد سوى تطبيق لما استقر عليه الفقه و القضاء في المغرب و القوانين المقارنة من إقرار استثناءات على الرقابة القضائية” . ( 7 – دراسة نشرت في موقع دار المحامي بتاريخ 04/05/2020 تحت عنوان أي دور للقضاء الإداري في حل الإشكاليات القانونية المثارة في اطار الطوارئ الصحية؟).
3 ـ من هذا المنظور نحى تفكيري الى التمعن في مدى راهينية وضع اطار اجرائي خاص يحدث مؤسسة قاضي المستعجلات الإداري بصفته الجهازَ الموكول له اتخاذَ تدابير ناجعة فورية قابلة للنّفاذ العاجل بمجرد إصدارها في مواجهة الإدارة يصون الحريات العامة الأساسية ، إذ على الدولة أنْ تُمَكن المواطن من أدوات ملموسة لنيل حقوقه دون الوقوف فحسب عند مجرد الإعلان عن حماية تلك الحقوق .
4 – لا حاجة هناك للتذكير بالتقدم الهائل الذي عرفه التطور التشريعي المتعلق بقضايا حقوق الإنسان ببلادنا و انضواءها إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة مما مكّنَ الديمقراطية من منظومة متراصة تعرف تفاعلاً إيجابياً ومنسجماً بين التشريع الوطني والاتفاقات الدولية ، مما يعكس بالملموس إرادة سياسية راسخة و صارمة للحفاظ و حماية واحترام الحريات الأساسية.
على أنّ هذه المسيرة الطويلة مع منعرجاتها التي تُوِّجت بتلك المنظومة، لا زالت في حاجة إلى تحقيق أمنٍ قانوني أفضل لتحقيق دولة الديمقراطية وسيادة القانون وهي أماني مجتمعنا . ولبلوغ هذه الغاية فإنه يبدو من الملح – في تقديري- تعزيز سلطة القاضي الإداري الاستعجالي ، بوصفه حامي الحريات الأساسية ، عبر تمكينه من الأدوات القانونية اللازمة لهذا الغرض ، بعد أن تَبيَّن محدودية سلطته بحكم أنها ظلت أسيرة لقواعد القضاء الاستعجالي التقليدية مثلما يتجلى بالرجوع الى احكام القانون رقم 41.90 المُحدِث للمحاكم الإدارية المتعلقة بالقضاء الاستعجالي التي لم تَعدْ مسايرةً للتطورات الحقوقية النوعية التي عرفتها بلادنا علي ضوء المكتسبات الحقوقية الهامة التي أتى بها دستور 2011، ورغم إقرار ميثاق اصلاح منظومة العدالة لسنة 2013 لعدد هام من التدابير الإجرائية فأضْحت عتيقة ومتجاوزةً بعد مرور أزيد من خمسة عقود على إقرار تلك القواعد بمقتضى قانون المسطرية المدنية الذي يعود بدوره في تأصيله التاريخي للقانون الفرنسي الصادر سنة 1889 المحال عليه من طرف القانون المذكور عملا بأحكام المادة السابعة منه و من هذه الزاوية يجدر التذكير بما ورد في البند الأول (الفقرة الثانية) من اعلان مراكش حول استقلال السلطة القضائية و ضمان حقوق المتقاضين و احترام قواعد حسن سير العدالة الصادر بتاريخ 04/04/2018 بعنوان توطيد استقلال السلطة القضائية الذي شدد فيه المشاركون على ضرورة تطوير و تجويد و تحديث المنظومة القانونية .( 8 – منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ـ عدد 138-139 ـ ص 405 الى 409 ) الامر الذي يبرهن على مدى راهنية تحديث مؤسسة القضاء الإداري الاستعجالي.
فلا مراء إذا أنّ تطوير التشريع المتعلق بالقضاء الإداري ، و الاستعجالي تحديدا ، وتحديثه على ضوء التعقيدات المتزايدة للحياة المعاصرة الناتجين عن التقدم التقني والتكنولوجي العارميْن أضحى بالتأسيس على ما سلف ذكره مطلباً مُلحاً حتى يتمكن من النهوض بالدور المنوط به، والاستجابة لمطامح المواطنين المتزايدة و أصوات حقوقية وازنة ، ومن ضمنها ، على سبيل المثال، ما ورد في توصيات مؤتمر الاتحاد العربي للقضاء الاداري الذي انعقد بالقاهرة في شهر يناير من السنة الحالية التي جاء فيها :
” وجوب دراسة مدي توافق نظام الدعاوي التحفظية والاوامر على العرائض مع طبيعة الدعوي الادارية لأهميتها في حماية الحقوق الفردية والعامة” وبالخصوص عبر الاستئناس بالاجتهاد القضائي الإداري باعتباره صانعَ القانون الإداري و استلهامِ ما تعرفه توجُّهات دول ديمقراطية عريقة بهدف إقرار قاعدة قانونية واضحة في مبناها ومرماها لا يشوبها التباس، ليتمكن المواطن من فهمها والعمل على هَدْيها و لتمكين القاضي الإداري الاستعجالي من تطبيق مقتضى قانوني لا لبس يعتريه “. (9 ـ جريدة اليوم السابع المصرية بتاريخ 21/01/2020 ) .
مع العِلْم أنّ العديدَ من الكتابات الحقوقية نادت منذ مدة طويلة بوجوب إدخال تعديلات تشريعية لتمكين المحاكم الإدارية من الوسائل القانونية الضرورية للقيام بدورها في تدعيم دولة الحق و القانون. ( 10 ـ عبد الله بونيت : ايقاف تنفيذ القرار الاداري في ضوء الاجتهاد القضاء المغربي والمقارن-طبعة 2009-ص 158-) (11 ـ احمد اجعون :المساطر الاستعجالية أمام المحاكم الإدارية – مجلة القضاء الاداري- ع 1 – ص 79 ) (12 ـــ رضوان قافو : القضاء الاستعجالي في المادة الإدارية ـ بحث تقدم به امام المعهد الوطني للدراسة القانونية ـ ص 66 ) ( 13 ـ محمد بن مولاي هاشم العلوي :المساطر الإدارية و القضائية ).
5- لئن توقف تطوير التشريع المتعلق بالمحاكم الإدارية فإن القاضي الاستعجالي ، مارس ، و حسب معطيات كل نازلة معروضة عليه ، دوره الدستوري المنصوص عليه في الفصل 117 من الدستور الذي ينص على ان القاضي يتولى حماية حقوق الأشخاص و الجماعات و حرياتهم و امنهم القانوني و تطبيق القانون ، رغم محدودية الأدوات القانونية المتاحة له ،و استعان حتى بقواعد قانونية يختص بها القاضي الاستعجالي بالمحاكم العادية لاستلهام بعض المبادئ الواردة فيها لتأسيس قضائه و تحقيق العدالة ، كما هو عليه الحال ، على سبيل المثال ، من خلال الاستعانة بالمبادئ الإنسانية التي كرسها القانون رقم 02.03 المتعلق بدخول و إقامة الأجانب بالمملكة المغربية و بالهجرة غير المشروعة رغم الانتقادات التي وُجِّهت إليه مما جعل الحكومة تُعِد مشروع القانون 26.14 لتعديل بعض أحكامه ليكون منسجماً مع المعاهدات الدولية ذات الصلة،( 14 – امر صادر عن السيد قاضي الأمور المستعجلة بإدارية الرباط تحت عدد 382 بتاريخ 03/03/2005 ـ المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ـ ع 64 ـ ص 214 ) (15 امر السيد رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بصفته قاضي الأمور المستعجلة صادر في الملف 152 /7101/ 2015 منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ع 37 ص 329 و ما يليها مع تعليق ذ / أربيعي ) .
كما لم يتردد قضاؤنا الإداري في استلهام مبادئ العدالة والإنصاف عند الاقتضاء، وهو موقفٌ حظِي بتقدير وتأييد لا يتَّسم بالغُربة عن القضاء الإداري الذي أبان في بعض القضايا عن جرأة واضحة لِفرْض وترسيخ مبدأ الشرعية التي يلزَم الجميع الامتثال لها بما في ذلك الإدارة كما ينص على ذلك الفصل السادس من الدستور . ( 16 ـ دراسىة ذ / حميد ولد البلاد : مرتكزات حقوق الانسان في تطبيقات القضاء الإداري ـ المجلة المغربية للادارة المحلية و التنمية ع 133 ص 65 و ما يليها ) .
غير أن تمكين القاضي الإداري الاستعجالي من أدوات قانونية توسع اختصاصه ، في تقديري المتواضع ، هو الملاذ الوحيد لحماية الحريات العامة لمسايرة التطورات المتواترة التي يعرفها ، من جهة ، مجتمعنا المتناغم مع ما يحدث في العالم بفضل تقنيات الانترنيت و التواصل الاجتماعي و تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ، و من جهة أخرى ، اتساع مجال تدخل الإدارة في الحياة العامة.
6ـ من المناسب -في ضوء ما سلف بيانه- أنّ تُدخِل السلطة التشريعية تعديلًا على مؤسسة القاضي الإداري الاستعجالي بتمكينها من سلطة قضاء الحريات الأساسية ، إذ لم يَعُد من المستساغ منطقياً أنْ يتحلى القاضي التجاري الاستعجالي بسلطاتٍ أوسعَ منه ، مع أنّ نطاق اختصاصه قاصرٌ على حماية حقوق خاصة ، بخلاف الدور الرفيع الممنوح للقاضي الإداري الموكول له سلطة حماية الحقوق و الحريات العامة في مواجهة سلطة الادارة ، في ظل علاقة غير متوازنة. (17 – Traité de Droit Administratif : André de Laubadére –T.1-p.3-éd 2001 . )
IVـــ حماية الحريات الأساسية و مشروع قانون المسطرة المدنية ، أي دور للقاضي الإداري الاستعجالي ؟ :
1 ـ غني عن البيان ان اصدار تشريع يتعلق بتعديل قانون المسطرة المدنية هو عمل عميق الأثر و له ارتباط وثيق بحقوق المعنيين به الذي اضحى من حقوق المواطن في الحصول علي محاكمة عادلة من بين تجلياتها تكافؤ الاسلحة واحترام حقوق الدفاع ، و من ثم يعتبر بحق ضمانة اساسية لاستقرار المعاملات و ازدهارها ، الأمر الذي يستوجب أن يتأسس على صيغة جيدة واضحة المضمون نصا وروحا ، فضلا عن وجوب ان يتسم بالجودة و النجاعة مثلما يمكن استنباطه من الفصل 69 من الدستور ، و ما اكدت عليه الخطابات الملكية كما يتجلى من الخطاب الملكي الملقى عند افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية من الولاية التشريعية التاسعة يوم 11/10/2013 الذي ألح على ضرورة تجويدا التشريع و الابتعاد عن التضخم التشريعي .
2 ـ إن التعديلَ المرتَقَبَ لقانون المسطرة المدنية المعروض حالياً على البرلمان ، الذي أدخلَ بعض التعديلات على منظومة القضاء الإداري و على راسها احداث مسطرة لتنفيذ الاحكام القضائية الصادرة في مواجهة اشخاص القانون العام و احداث مؤسسة قاضي التنفيذ ، تعتبر فرصة سانحة ينبغي استثمارها لإدخال تعديلاتٍ ضرورية و عميقة على الاختصاصات المخولة للقاضي الإداري الاستعجالي.
3 ـ من اللافت في هذا الصدد ان المشروع احتفظ بما سبق ان رسا عليه القانون رقم 90.41 المُحدِث للمحاكم الإدارية بخصوص وحدة نظام القضاء بالمغرب بما يعني تطبيق قواعد المسطرة المدنية على المنازعات الإدارية ، مراعيا ان المبادئ الاساسية للقانون التي تحكم القضاء بكل انواعه توجد في قانون المسطرة المدنية التي تعد الشريعة العامة لقانون القضاء برأي الفقه ( 18 ـ فتحي والي : قضاء القانون المدني ـ طبعة 1987 ص 13 ، 12 ) وهو ما ينص عليه صراحة الفصل الثالث من ظهير المصادقة على نص قانون المسطرة المدنية.
و يعود التأصيل التاريخي الى مقتضيات الفصل الثامن من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي و الفصول 16 و 17 و 186 من قانون المسطرة المدنية الصادر بنفس التاريخ، و التي كانت تنص على ان القضايا الإدارية من اختصاص نفس الجهاز القضائي المختص بالقضايا المدنية ، مع اختلاف قواعد الجوهر.
و قد تم الاحتفاظ بنظام وحدة الجهاز القضائي و ثنائية القانون رغم نسخ النصين المذكورين في اطار الإصلاحات القضائية التي نص عليها قانون 26 يناير 1965 بشأن توحيد و مغربة و تعريب القضاء ، و ظهير 28 شتنبر 1974 بالمصادقة على قانون المسطرة المدنية و ظهير15 يوليوز 1974 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ـ
كما ان المشروع حافظ على مبدأ تطبيق القواعد التقليدية للقضاء الاستعجالي المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية مع تعديلات طفيفة .
4 ـ من ضمن مبررات التعديل ، في سياق المنحى المشار اليه ، أن التشريع المسطري يتعلق بقانون عملي مرتبط بالممارسات اليومية، و في حاجة ماسة إلى إجابات قانونية بموازاة تطور الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية ومن ثم فإن هذا التعديل المرتقب، و كما ذهب اليه بعض الفقه المغربي في شخص الدكتور ادريس فجر يجب ان يجيب عن أسئلة آنية و عملية حتى يكون مؤثرا في ذاته و محيطه ( 19 ـ قراءة في مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية ـــ منشورات مجلة الحقوق المغربية ـ سلسلة الاعداد الخاصة ـ تحت رقم 1 ـ العدد الأول فبراير 2009 ص 71 ) .
5 ـ ثم أيضا ، فإن قانون المسطرة المدنية يسيطر عليه ًعدد من المبادئ الاساسية التي نص عليها الدستور كاستقلال السلطة القضائية ( الفصل 107) وجوب تطبيق القانون ( الفصل 110 ) ـ حق الدفاع ( الفصل 120) ـ
علنية الجلسات ( الفصل 123) صدور الاحكام و تنفذ باسم الملك و طبقا للقانون (الفصل 124)ـ
الزامية الاحكام للجميع (الفصل 126) ـ تعليل الاحكام و صدورها بصفة علنية ( الفصل 125) ـ وجوب تقديم السلطات العمومية المساعدة لتنفيذ الاحكام، و ان قواعد المسطرة، حسب الراي الراجح عند كبار شراح القانون الاجرائي ، ذات مصدر دستوري في جانب هام من مصادرها، ( 20 ـ جان فانسان-سرج كنشر: المسطرة المدنية- الطبعة 23 – ص 24 الي 31 ) مما يكون معه من الضروري ان يجد هذا الحقل الواسع من المبادئ الدستورية، فضلا عن الحقوق الاخرى المعترف بها في الفصول من 19 الى 40 من الدستور و أيضا من طرف المواثيق الدولية، صدي في مشروع قانون المسطرة المدنية ، يتمظهر في نص تشريعي واضح يكرس حماية للحريات الأساسية للمواطن يتضمن قواعد اجرائية دقيقة وملموسة تمكن المواطن من الحصول عليها في امد وجيز من طرف القاضي الاداري الاستعجالي .
6 ـ للوصول الى هذه الغاية سيكون من المناسب استلهام مسيرة مؤسسة القضاء الاداري الاستعجالي الفرنسي ، في انتظار إحداث مجلس الدولة كما أعلن عن ذلك الخطاب الملكي بتاريخ 15/12/1999 ووِفق ما ورد في الفصل 114 من الدستور الذي نص على أنّ المقررات المتعلقة بالوضعيات الفردية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، قابلةٌ للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة إدارية بالمملكة. ومِنْ هذا المنظور ، أتصور انه من الضروري الاستفادة من التطور التشريعي الفرنسي العميق الذي أدخَل بتاريخ 30.6.2000 تعديلاتٍ من الأهمية بمكان على اختصاصات القاضي الاستعجالي الإداري ، مسترشداً بالاجتهاد القضائي ومتفاعلاً مع آراء كبار شُرّاح القضاء الإداري قصْدَ التعرفِ على ملامح ذلك التطور المُتأني و الناجع ، الذي وصفه الفقه بحق انه تعديل تاريخي. ( 21 ـ وصف الفقيه B.Pacteau )
7 ـ كما يجدر ، حسب رأيي المتواضع ، الاستئناس بما رست عليه مؤسسة القضاء المذكور على مستوى الاتحاد الأوروبي ، الذي يرتبط معه المغرب باتفاقية أكتوبر 2008 التي منحته دورا متميزا مما يؤهله الاستفادة من جميع الامتيازات الممنوحة للعضو فيما عدا المشاركة في المؤسسات السياسية للاتحاد ، الأمر الذي يفرض عليه عدة التزامات على المستوى الحقوقي و القانوني من ضمنها ادخال تعديلات على تشريعاته لتتلائم مع ما هو معمول به في الفضاء الأوروبي في حفاظ على المبادئ الديموقراطية و الحقوق الأساسية , وهو ما قام به المغرب فعلا في العقود الاخيرة مثلما يتجلى من القوانين التي تم سنها وطالت مجال قانون الاعمال وبورصة القيم والتنظيم القضائي وقانون حماية المستهلك و قانون حماية الملكية الصناعية ، واستلهمت عدة قواعد من القوانين الاوروبية.(22 – أمين بنعبد الله ـ دراسة منشورة في المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 114 بعنوان: استقبال القانون الاوروبي من القوانين الوطنية- بالفرنسية ـ الصفحات من 9 الى 16).
8 ـ غير ان مشروع قانون المسطرة المدنية اكتفى بتخصيص مواد من 214 الى 223 لا تفي بالغاية المرجوة وتتعلق، من جهة ، بالأوامر المبنية على الطلب و المعاينات ، و من جهة أخرى ، بالقضاء الاستعجالي العام برمته ليطبق من طرف جميع المحاكم الابتدائية ومن ضمنها المحاكم الادارية حسب التحديد الوارد في المادة الاولي من مشروع قانون التنظيم القضائي رقم 38/15 رغم تعقيدات نزاعاته و خصوصياتها فلم يستأنس بالتالي المبادئ العامة للتشريعات الأوروبية ذات الصلة بالموضوع و لا بالأحرى بالتشريع الفرنسي المتعلق بالإجراءات الإدارية باعتباره مصدر تاريخي للقانون المغربي.
و لذلك سأستعرض موقف التشريعات المشار اليها المتعلقة بالقضاء الإداري الاستعجالي و سلطاته في مجال الحريات الأساسية للوقوف على الحماية التي تكرسها له تلك التشريعات له من طرف القضاء الإداري الاستعجالي ، على سبيل المقارنة و الاستئناس.
******
***
V ـ حول التشريع الاوروبي المتعلق بالقضاء الاداري الاستعجالي والحريات الأساسية:
إن منح حماية مؤقتة لمواطني الاتحاد الأوروبي سواء تم عن طريق محاكم الدول الأوروبية أو من المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان يعد هدفا مشترك لجميع المحاكم الإدارية، و لهذا الغرض احدثت آليات مسطرية ، متباينة أحيانا ، ترنو لاتخاذ تدابير وقتية و تحفظية يأمر بها قاضي الأمور المستعجلة فيما عدا اليونان الذي يتولى فيه القضاء الجماعي الإداري إتخاذها.
يحتل القضاء الإداري الاستعجالي مرتبة رفيعة في منظومة المحاكم الإدارية الأوروبية التي تلح أجهزة الاتحاد الأوروبي المختصة على وجوب منحه العناية اللازمة لما يحققه من حماية فعالة و سريعة لمصالح المتضررين من أنشطة الإدارة.
أصدر المجلس الأوروبي في هذا الصدد عددا هاما من التوصيات ترسخ هذا الاتجاه نذكر منها ، على سبيل المثال، التوصية الهامة الصادرة بتاريخ 13/09/1989 التي ألح فيها على وجوب تمتيع مواطني الاتحاد بحماية قضائية وقتية في المادة الإدارية ، و جاء فيها بالحرف :
” حينما تقع المنازعة في صحة قرار اداري امام السلطة القضائية دون أن تبت فيه ، فإنه من حق الطالب تقديم طلب للحصول على تدابير حمائية وقتية في مواجهة ذلك القرار “.
و تشير التوصية الى وجوب اتسام هذه المسطرة بالعجلة و احترام مبدء الحضورية .( 23 – مقال مورلو دحان بعنوان: الحماية الوقتية امام المحاكم الإدارية داخل الاتحاد الأوروبي ـ منشورة في العدد 2 من المجلة الدولية للقانون المقارن سنة 2004 ـ ص 462).
بل ، وازيد من هذا ، اتجهت المحكمة المذكورة الي تكريس حق المتضرر من انشطة الادارة في الحصول علي تعويض مسيق في نطاق مسطرة استعجالية حماية لحقوقه الي حين البت النهائي في طلبه ، وجزمت بالقول ان حرمان المرتفق من هذا الحق بتنافي وحقه في الوصول الي محاكمة مكتملة الاركان، مع انه من الحقوق الاساسية المضمونة بمقتضي القانون الاوروبي الذي يخول لهم ، علي وجه الخصوص، الحق في التمتع بالحماية الوقتية . ( 24 ـ قرار 29/1/1997 قضية 96/393 ـ مجموعة الاجتهادات 1997-ص1-441 أورده كلوطين مورلو morlot clotilde ـ دحانdahan ـ في مقاله السابق ـ الهامش رقم 3 بالصفحة 460) .
و بالنسبة للدول الأوروبية فإن قوانينها تختلف من دولة أخرى ، و نستعرض بإيجاز لتشريعات بعض الدول الرئيسية.
ـ اسبانيا : استنادا على احكام الفصل 24 من الدستور الاسباني أصدرت المحكمة الدستورية قرارا مبدئيا تحت عدد 1992/14 بتاريخ 10/2/1992 عبرت فيه على نحو دقيق بالمقصود بالحماية القضائية الاستعجالية حينما صرحت : ” لا يمكن اعتبار وجود حماية قضائية حقيقية دون توفر إجراءات استعجالية تؤمن تضمن مضمون الحكم النهائي الصادر في الخصومة ” و هو التأسيس الذي تم تبنيه في أسباب القانون رقم 29/98 الصادر بتاريخ 13 يوليوز 98 المتعلق بقانون المنازعات الإدارية .
لعب الفقه الإداري الاسباني دورا هاما في هذا الصدد اذ كان هو المبادر الى المناداة بضرورة تمكين المتقاضي من مسطرة إدارية استعجالية للحصول على إيقاف تنفيذ قرار اداري جائر، منعدم الشرعية ، مطعون فيه بالإلغاء، متى كان من شأن رفض هذا الطلب ان يعرض مصالح الطالب الى خطر جدي.
و هو ما عبر عنه الفقيه كارسيا دي انتريا Garcia de enterria بكيفية اخري تستشرف المستقبل بالقول :
” كما هو معلوم فإن النزاعات الإدارية تعتبر وسيلة لحماية الشرعية في مواجهة الإدارة و هي في طريق التشكل في عديد من دول الاتحاد الأوروبي و سيلة لحماية الحقوق و المصالح الشرعية للمواطنين و القرن الحالي سيمكننا من معرفة فيما اذا كان الطرح سيتأكد نهائيـــا “.
« Garcia de Enterria : Contencioso- Administrativo , Objetivo y contencioso – subjetivo a finales del siglo xx : una vision historiçua y comparatista – Pensamiento çonstituçional –N°7 -2000 P : 58 »
كان لهذا الفقه تأثير و صدى عند المشرع الاسباني بعد إقرار النظام الديموقراطي اثر وفاة الجنرال فرانكو و إقرار دستور 1978 فأدخل قانون 13/07/1998 إصلاحات جوهرية على القانون المنظم للإجراءات امام القضاء الإداري دعمت مؤسسة قاضي المستعجلات الذي منحته صلاحية اتخاذ الإجراءات الوقتية المشار اليها المنصوص عليها في المواد من 129 الى 136 ، فالمادة 130 من القانون المذكور تنص على أنه يمكن للمعنيين تقديم دعوى استعجالية في اية حالة كانت توجد فيه الخصومة بهدف اتخاذ جميع التدابير التي من شانها ضمان نتيجة أو مآل الحكم اذا ما تبين للقاضي ان هذه النتيجة لا يمكن الوصول اليها في حالة تنفيذ القرار المطعون فيه.
يقدم طلب الإيقاف بعريضة منفصلة يحدد لها اجل عشرة أيام للنظر فيها و لإصدار حكم في اجل خمسة أيام اللاحقة. وتندرج هذه الدعوى ضمن ما يسمى الاستعجال العام بموازاة مع الاستعجال الخاص .
ـ ألمانيا : تتميز المانيا بموقف مختلف عن باقي الدول الأوروبية ، اذ جعلت من الطعن بإلغاء في قرار اداري موجب لوقف تنفيذه ( المادة 80 من القانون المتعلق بالعدالة الإدارية ) و بالنسبة لبعض الحالات الأخرى التي لا ينطبق بشأنها هذه القاعدة ( كقضايا الضرائب على سبيل المثال ) فإن المادة 123 من نفس القانون أجازت للمحكمة الإدارية اصدار امر استعجالي بوقف التنفيذ اذا كانت هناك خشية من حصول تغيير على الأوضاع يكون من شأنه أن يجعل من المستحيل و لو جزئيا الاستجابة الى طلب المدعي .
و تنص الفقرة الثانية من المادة 123 المذكورة انه “يحق لقاضي المستعجلات أن يصدر امرا يقضي باتخاذ تدابير مؤقتة لتفادي اضرار جسيمة أو اضطراب طارئ “.
ـ بلجيكــا : لم تعرف بلجيكا أية مقتضيات مسطرية تتيح للطاعن بالغاء قرار اداري المطالبة بوقف تنفيذه من طرف مجلس الدولة سوى سنة 1989(16/6) الذي يمكنه ايضا اتخاذ كل التدابير الوقتية المناسبة في هذا الصدد.
ـ إيطاليا : تدخل المشرع الإيطالي بقانون صدر 21/7/2000 خول للقاضي الإداري الاستعجالي اتخاذ كل التدابير المتطلبة ذات الصبغة الاستعجالية لإسدال حماية مؤقتة لحقوق طالب الإلغاء.
VIـ حول القانون الفرنسي المتعلق بالقضاء الإداري الاستعجالي و الحريــــات الأساسيــة :
1 ـ غني عن التذكير ان نظامنا القضائي و قواعد قانوننا للمسطرة المدنية انها وليدة أنظمة و قواعد وضعت ابتداء نقلا عن التشريع الفرنسي مع تعديلات لا تمس في كنهها ، الامر الذي يجعل من المفيد استحضار التطور الذي عرفته مؤسسة القضاء الإداري الاستعجالي بفرنسا لاستنباط بعض الاحكام التي اتى بها المشرع الفرنسي بخصوص قضاء الحريات الأساسية .
2 ـ عرفت فرنسا ، في البداية، اول تنظيم لقانون الإجراءات المدنية بقانون 1/1/1809 المعدل
بقانون 22/7/ 1889 الذي يعد المصدر التاريخي للقانون المغربي للمسطرة المدنية الصادر سنة 1913 ( 25 ـ عبد اللطيف هداية الله : القضاء المستعجل في القانون المغربي ـ طبعة 1998 ـ ص 46 ) ، بينما القانون الاجرائي الخاص بالمنازعات الإدارية لم يتم اعتماده سوى بمقتضى مرسوم 30/12/1862 الذي اتمه و عدله مرسوم 2/7/1865 و أحدث عندئذ منصب مؤسسة المفوض الحكومي، و جهاز كتابة الضبط، و تخلى عن نظام السرية الذي كان معمولا به قبل ذلك التاريخ من طرق مجالس المقاطعات في وقت سابق علي إحداث المحاكم الادارية.
وادخل المشرع الفرنسي تعديلا جوهريا على نظام الإجراءات الإدارية بمقتضي قانون 22/07/1889 الذي يعتبره شراح القانون الاداري الفرنسي معلمة في هذا الباب و مصدر تاريخي للعديد من التشريعات المقارنة. ( 26 ـ المطول العملي و المسطري للمحاكم الإدارية Christian GABOLDE – Traité Pratique De La Procédure Des Tribunaux Administratifs ـ طبعة 1974 ـ ص3 )
في ضوء ما سلف ذكره يجدر التذكير بما أورده ” كرستيان كابولد ” في مؤلفه السابق ص 3 ” ان تأثير فقهاء القانون الخاص كان حاضرا في التطور الحاصل للقواعد الإجرائية الإدارية ، و هو ما يبدو من خلال الإحالة في القانون المشار اليه على قواعد المسطرة المدنية مع الاحتفاظ على الطابع الأصيل لقانون المسطرة الإدارية ” وهو ما يعني الطابع الخصوصي للاجراءات المتبعة في حقل المنازعات الادارية.
3 ـ وضع المشرع الفرنسي اللبنة الأولى للقضاء الإداري الاستعجالي بقانون 23/7/1889 فخول له إمكانية الامر بإجراء مستعجل لمعاينة و تقييم اشغال البناء التي تنجز في نطاق الصفقات العمومية ، بل و أيضا اجراء تقييم لها و تحديد مراحل اشغال البناء و العيوب الظاهرة . ( م . س ـ ص 325 ) .
4 ـ كما انشأ لاحقا مسطرة استثنائية لوقف تنفيذ القرارات الإدارية المطعون فيها بالإلغاء نصت عليها المادة 96 من مرسوم 31/07/1945 التي تضمنت قاعدة جوهرية مفادها ان الطعن بالإلغاء امام المحكمة الإدارية لا يترتب عنه وقف التنفيذ ما لم يقع الامر به على سبيل الاستثناء من طرف المحكمة ، مكرسا المبدأ المعروف القائل ان القاعدة هي وجوب تنفيذ القرارات الإدارية المفترض فيها الشرعية ( م. س ـ ص 185 ) ، التي تم الاخذ بفحواها في المادة 24 من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية .
اما مؤسسة القضاء الإداري الاستعجالي فقد ظلت مجهولة من طرف التشريع الفرنسي الى حين احداثها بمقتضى قانون 28/11/1955 ( م.س ـ ص 317 ) الذي نص الفصل 24 منه علي ما يمكن تعريبه كالتالي :
” في جميع حالات الاستعجال ، و باستثناء القضايا التي تهم النظام العام والامن العام فإن رئيس المحكمة الإدارية او القاضي الذي ينوب عنه يمكنه ان يأمر باتخاذ جميع التدابير الملائمة دون المساس بالجوهر ، او عرقلة تنفيذ أي قرار اداري “.
و هو الفصل الذي اصبح لاحقا يحمل رقم R102 في قانون المحاكم الإدارية و استوحى منه المشرع المغربي الفصل 19 من القانون المتعلق بالمحاكم الإدارية الذ يعتبر المقتضي الوحيد الذي خصصه للقضاء الإداري المستعجل .
5 ـ غير ان التعديل الجوهري الذي طال مساطر القضاء الإداري الاستعجالي حصل بمقتضى القانون رقم 597/2000 بتاريخ 30/06/2000 و المرسوم التطبيقي رقم 115/2000 بتاريخ 22/11/2000 ادخل تعديلاتٍ عميقةَ الأثَر مثلما سلف التنويه به سالفا ، مَنحت للقاضي الإداري الاستعجالي سلطاتٍ أوسع في غاية الأهمية و الفعالية لحماية الحريات العامة والاساسية ، و يعتبر منعطفا تاريخيا حقيقيا في مسيرة القضاء الاداري الفرنسي اتي ثمرة عمل دام ازيد من عامين بقليل لثلة فريق عمل مكون من ذوي الاختصاص في القانون الإداري ( قضاة من مجلس الدولة و المحاكم الإدارية ، رؤساء اقسام المنازعات ، أساتذة جامعيين)، و هي التعديلات المنصوص عليها في المواد : 521/1 ـ 521/2 ـ 521/3 ـ من قانون العدالة الإدارية الفرنسية التي اسفرت عن احداث المساطر الاستعجالية التالية :
ـــ الاستعجال الموقف الذي يستجيب به القاضي لطلب وقف قرارٍ إداري مُعيَّن بدعوى عدم شرعيته و متابعة تنفيذه يشكل حالة استعجال.
ـ الاستعجال المتعلق بالحريات ويهدف من ورائه الطالب استصدار أمر من القاضي الإداري الاستعجالي في مواجهة اجراء اداري يطعن فيه لمساسه الخطير بإحدى الحريات الأساسية و انعدام الشرعية بهدف اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الطالب من الانتهاكات المدعي تعرضه لها .
ـ الاستعجال التحفظي الذي يهدف من ورائه الطالب الحصول على كل تدبير مؤقت في مواجهة الإدارة حتى ولئن لم تتخذ الإدارة أي قرار شريطة أن لا يترتب عن الاستجابة للطلب عرقلة أي قرار إداري .
و حيث إنَّ هذا ما يمكن أن يتبين بالرجوع الى المواد التالية المنصوص عليها في القانون الفرنسي المتعلق بالعدالة الإدارية. (27ـ L.2000/597 date 30/06/200 relative au référé devant les juridictions administratives J.O N° 151 date 01/07/2000 .P 9948 )
التي قمت بتعريبها كالتالي :
” 521_1: حينما يكون قرار إداري ولو بالرفض، محلَّ طعن بالإلغاء أو التعديل، يجوز لقاضي المستعجلات المُقدّم اليه طلب، أنْ يوقف تنفيذَ القرار أو بعضِ آثاره إذا تَوفَّر ظرف استعجالي مبرر.
عندما يتعلق الأمر بقرار إداري ولو بالرفض، يكون محلَّ طعنٍ بالإلغاء الكلي أو الجزئي ، يسوغ لقاضي الأمور المستعجلة أن يأمر بوقف تنفيذ هذا القرار أو وقف أجزاء معيّنة من آثاره إذا كانت ظروف الاستعجال تبرر ذلك ، وتبين من التحقيق وجود سبب خاص من شانه إثارة شكوك جدية بخصوص مشروعية القرار.
حينما يُستجاب للطلب ، يقع البت في طلب الإلغاء في أقرب الآجال.
يستمر أثر وقف التنفيذ إلى غاية البت في موضوع الطلب “.
6 ـ فاستنادا على مقتضى المادة 521/1 سالفة الذكر لم يعد القاضي الاداري الاستعجالي ينظر الى طلب إيقاف تنفيذ قرار اداري من نفس المنظور السابق باعتبار ان المقتضى الجديد المشار اليه ادخل تعديلا خول بمقتضاه للقاضي المذكور وقف التنفيذ كلما تبين له وجود شكوك جدية تحوم بخصوص مشروعية القرار بخلاف النص القديم الذي كان يشترط توفر سبب جدي، بمعنى ان تكون دعوى الإلغاء مؤسسة علي اسباب وجيهة وجدية كافية لتبرير الاستجابة اليها، فاتاح المشرع بهذا التعديل إمكانية واسعة للقضاء الاداري الاستعجالي للاستجابة لطلب ايقاف التنفيذ للعديد من الحالات وفق تصور اعضاء لجنة خلية التفكير التابعة لمجلس الدولة الفرنسي الذين ساهموا في اعداد التعديل من منطلق ان الإيقاف هو أقل ضررا من الرفض وهو ما يسعفه التعديل الذي استعمل عبارة la condition du doute sérieux بدلا من moyen sérieux التي تلزم القاضي المستعجل الإداري القيام بتفحص متأنى و عميق للطلب .(28 ـ مقال هاشم بنجامين : le juge administratif des référés d’un juge de l’évidence à celui de la vraisemblance مقال محرر بتاريخ 29/10/2017 benjamia hachem زيارة الموقع بتاريخ 12/05/2020 .)
و حسب الفقه الراجح فإن تقييم القاضي الاستعجالي لظرف الاستعجال يتم بكيفية موضوعية انطلاقا من تفحص الآثار المباشرة التي ستلحق المدعي أو الغير او المصلحة عامة ، و بتفحص آخر على مستوى الآثار التي قد تمس المصلحة العامة عند وقف التنفيذ. (29- La pratique du contentieux administratif – Daniel chabanol –éd 2005 litec – P 163)
ومؤدي ذلك انه لا يشترط في مثل هذه الحالة اثبات عدم شرعية القرار المتخذ ، اذ يكفي ان تحيط شكوك جدية بخصوص سلامته كما سلف القول .
“521-2 يجوز لقاضي الأمور المستعجَلة المعروض عليه طلبٌ في هذا السياق، أن يأمر باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية إحدى الحريات الأساسية التي قد يكون وقْعُ المساسِ بها من لدن شخص اعتباري خاضع للقانون العام أو من طرف جهة القانون الخاص مكلفة بتسيير مرفق عام خلال ممارسة إحدى السلطات ، ترتب عنها مساس خطير وظاهر عدم شرعيته. يبُت قاضي الامور المستعجلة في أجل ثمانية وأربعين ساعة “.
7 ـ ان الإضافة النوعية البارزة للتعديل الوارد في القانون المذكور تضمنتها المادة أعلاه ، ذات الصلة بالموضوع ، و من المسوغ اعتبارها الأداة الصلبة التي تمكن القاضي الإداري الاستعجالي من التدخل في اجل قصير ( 48 ساعة ) ، عند توفر الشروط القانونية المتطلبة ، لإصدار امر باتخاذ أي تدبير ضروري لإيقاف تنفيذ قرار اداري او الامر بإجراء محدد لتفادي الحاق ضرر خطير و ظاهر عدم شرعيته لخرقه احدى الحريات الأساسية.
فمن الجلي بالرجوع الى هذا المقتضى انه منح للقاضي المذكور سلطة واسعة لاتخاذ التدابير الضرورية التي يتطلبها الموقف حسب شروح وبيانات مقال الادعاء الاستعجالي ( حالة الاستعجال القصوي) لحماية الحرية الاساسية التي يدعي الطالب انه حرم منها ( الاعتداء علي حرية التعبير عن الراي، او علي الحق في ممارسة العبادة، او علي الحق في الملكية ، بما يتطلب تدخل الادارة لتفعيل الحق وتجسيمه باستعمال القوة ، الحق في الاستمتاع بحياة عائلية هادئة، الحق في التجول، الحق في الحصول علي جواز السفر،،)( دانييل شابانول . م.س.- ص.164 /165) ( الفصل التاسع من القانون المدني الفرنسي يعطي الحق لكل مواطن في احترام حياته الخاصة، كما يمنح لقاضي المستعجلات امكانية اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية هذا الحق عند توفر حالة الاستعجال ، كما ان نفس الفصل في فقرته الأولى يكرس حماية لقرينة البراءة عن طريق القاضي المستعجلات عند توفر حالة الاستعجال ) (الحق في الحياة : اصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط حكما لفائدة مطالبين بالحق المدني للتعويض عن حرمان مورثهم من حق الحياة، وهو حكم جدير بالتنويه ، اورد تعليلاته ذ احمد ادريوش في مؤلفه : القضاء وثقافة حقوق الانسان- طبعة 2014 ص 69 ، وفي نفس السياق اورد المؤلف في الصفحة 62 حكما مهما للمحكمة الادارية بالرباط بتاريخ 25/7/ 2013 منح تعويضا لضحايا الحادث الارهابي ، قضية فندق اطلس اسني بمراكش)
تلك السلطة تفوق قوة و فعالية عن السلطات الممنوحة للقاضي الاستعجالي العادي الذي يظل مختصا للبت في طلبات هادفة لإيقاف الاعتداء المادي باعتبار أن صياغة القانون تؤدي الى الاعتقاد بان المشرع الفرنسي لم يشمل في نصوصه الحالة المشار اليها في القضاء المتعلق بالاعتداء المادي ، اذ نصت المادة المشار اليها على ان سلطة القاضي الإداري الاستعجالي تكون حالة الاعتداء ” الجسيم و البين و غير المشروع ” من الإدارة ، بشرط ان يحصل اثناء ممارستها لوظيفتها ، إذ يظل الاختصاص للقاضي العادي عندما يكون العمل المتنازع عليه غير مرتبط بوضوح بممارسة سلطة الإدارة ( 30 ـ اطروحة امال يعيش تمام : سلطات القاضي الإداري في توجيه أوامر للإدارة – السنة الجامعية 2011 -2012 _ نوقشت امام جامعة محمد خيضر – بسكرة ـ الجزائر – ص ـ 401 )
و نظرا لثراء مضمون القانون سالف الذكر فقد أقرت اللجنة المختلطة الصياغة المقترحة من الجمعية الوطنية الفرنسية و الحكومة دون ان تتضمن ادنى إشارة لنظرية الاعتداء المادي ، فلم تقع بالتالي الاشارة الى المنافسة بين جهتي القضاء. ( 31 م ـ س ص 402 )
و من اللافت للانتباه أن المشرع الفرنسي منح للقاضي الإداري المستعجل سلطة توجيه أوامر للإدارة لحماية الحرية الأساسية من اعمال الاعتداء طبقا للمادة 521 ف 2 المذكورة ، و هي سلطة كانت قد منحت له جزئيا بمقتضى القانون الصادر بتاريخ 08/02/1995 ، و يمكن تطبيق احكام هذه المادة في الأحوال التالية :
1 ـ ان الحماية مرصودة للمتقاضين لحماية الافراد في حالة الاعتداءات المادية على حرياتهم الأساسية اثناء ممارسة الإدارة لوظيفتها.
2 ـ ان الحماية مرصودة للمتقاضين لحماية الافراد في حالة الاعتداءات الناتجة عن قرار قد لا يكون ارتباطه واضحا بالسلطة الإدارية. ( 32 ـ م ـ س ـ ص 402) .
و اذا كان مدلول الحريات الأساسية غير دقيق بما فيه الكفاية ، الا أن المرجح انها الحريات المنصوص عليها في الدستور . و على أي حال فإنه لا يمكن حصرها لشاسعة مجالها مع العلم انه مصطلح حداثي قياسا مع مصطلح حقوق الانسان، ويعود للقضاء امر تحديدها.
على ان الحريات العامة تندرج ضمن مجال متجاور مع الحريات الأساسية دون أن يوجد تطابق بينهما على اعتبار ان الحريات العامة ذات ارتباط وثيق الصلة بالقواعد المحددة في الدستور و القانون معا.
يبت القاضي في ظرف 48 ساعة و يخبر الطالب بتاريخ الجلسة و الساعة التي سينظر فيها طلبه و يمكن للقاضي الاستجابة للطلب اذا ما تبين توفر الأسباب المؤيدة له سالفة الذكر ، و يمكنه أن يرفض الطلب مباشرة دون ان يعينه في الجلسة اذا ما تبين له على سبيل المثال وجود خلل شكلي أو عدم قيامه على أساس.
” 521-3 في حالة الاستعجال القصوى ، يمكن لقاضي الأمور المستعجلة أن يأمر باتخاذ جميع التدابير الضرورية دون عرقلة تنفيذ أي قرار إداري استناداً على أمر على عريضة ولو في غياب قرار اداري سابق.
” كما يمكن للقاضي المذكور أن يأمر ، عند قيام حالة تَعَدٍّ أو الاستيلاء او الإغلاق الاداري ، بوقف تنفيذ القرار الاداري المطعون فيه “.
اما احكام الفقرة 3 من المادة 521 فقد أحدثت قضاء استعجالي من نوع خاص أتاح للقاضي الإداري الاستعجالي الامر بمعاينة يمكن ان تتعلق او ان تهم كل نزاع قائم أو مرتقب ، او فرض غرامة تهديدية على الإدارة لجبرها على التنفيذ .
VII ـ حول القضاء الإداري الاستعجالي و تعديلاته المقترحة في مشروع قانون المسطرة المدنية :
1 ـ ان قراءة متأنية للتعديلات المقترحة في المشروع الجديد لقانون المسطرة المدنية تظهر انه تضمن إضافة ايجابية في المادة 216 بتخليه عن القيد المتعلق بعدم اتخاذ امر وقتي في حالة قيام نزاع جدي مستنيرا بالقواعد الناظمة للقضاء الاستعجالي التجاري مع العلم أن المشرع سبق له قبل ذلك ان منح لرئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة سلطة اقوى حينما خوله حق البت في دعوى الطعن بإلغاء قرار باقتياد اجنبي خارج الحدود التي يحق للأخير تقديمها في اجل 48 ساعة من تاريخ تبليغه إياه و ذلك عملا بأحكام المادة 23 من القانون رقم 03.02 المتعلق بدخول و إقامة الأجانب بالمغرب و حددت أجل أربعة أيام للرئيس من تاريخ تقديم الطعن. (33ـ القانون رقم 03.02 الصادر بتاريخ 11/11/2003 المتعلق بدخول و إقامة الأجانب بالمملكة المغربية و الهجرة غير المشروعة .ج.ر 60/5 بتاريخ 13/11/2003.)
و يتبين بالرجوع الى هذا المقتضى ان المشرع أسند ، و لأول مرة لقاضي المستعجلات ، صلاحية البت في الطعن بإلغاء قرار اداري نظرا لخصوصية هذه الدعوى و اتسامها بحالة استعجال قصوى مما افترض المشرع توفر عنصر الاستعجال في هذه الحالة ، و هي خطوة إيجابية و سعت من دائرة صلاحيات مؤسسة القضاء الإداري الاستعجالي ، مما كان حريا معه استثمار هذا التوجه و الدفع به نحو توسيع دائرة اختصاص القاضي الإداري الاستعجالي مسايرة ، من جهة، لما تفرضه تطورات المجتمع و اتساع مجال تدخل الإدارة في الحياة العامة حماية لمجال الحريات العامة اللصيقة بحقوق الانسان ، و من جهة أخرى ، مواكبة للتشريعات الحديثة المتعلقة بهذا الموضوع و المنسجمة مع المواثيق الدولية .
يتجلى بالرجوع الى احكام المواد من 216 الى 223 أن مشروع قانون المسطرة المدنية نظم قضاء المستعجلات في مستوى افقي مشترك يجمع محاكم السلطة القضائية بمدلول الفقرتين الأولى و الثانية من المادة الأولى من مشروع القانون رقم 15.38 المتعلق بالتنظيم القضائي أي المحاكم الابتدائية و المحاكم الابتدائية التجارية و المحاكم الابتدائية الإدارية و محاكم الاستئناف و محاكم الاستئناف التجارية و محاكم الاستئناف الإدارية دون مراعاة المميزات الخاصة بكل دعوى الخاضعة لاختصاص محكمة معينة ، بما فيها الدعوى الإدارية.
ليس من باب التزيد القول ان للخصومة مدلول جامع ، تخضع بالضرورة لنظام افقي مشترك و تتميز داخليا بخضوع اصنافها الجزئية الى نظم إجرائية عمودية متمايزة و متفاوتة بحسب كل جهة من جهات القضاء و كل فرع من فروع الإجراءات . مما حاصله ان للخصومة الإدارية نظامها الخاص و خصائصها المميزة و التي تتأثر بمبادئ و خصائص القضاء الإداري و بتنظيمه الهيكلي. (34- الحسين السالمي : القانون العدلي ، النظرية العامة للخصومة ـ طبعة 2019 ص 27 – كينشر ومن معه: القانون الاجرائي- الطبعة الاولي سنة 2001 – ص :من 8 الى 12 – Serge Guinchard – Monique Bandra- Xavier lagarde – Melina Douchi_ : Droit processual )
على اعتبار ان الدعوى كظاهرة إجرائية تنقسم أيضا في شكل عمودي و ليس فقط في شكل افقي ، يختلف بحسب طبيعة كل دعوى . فالمشرع يفرض، على سبيل المثال، في الدعوى الإدارية الرامية الى التصريح بمديونية الدولة او ادارة عمومية في قضية لا علاقة لها بالضرائب ولا بادارة املاك الدولة ، إدخال الوكيل القضائي للمملكة فيها عملا بما جاء في المادة 606 من مشروع قانون المحاكم الإدارية ( الفصل 514 من ق.م.م الحالي ) و هو مقتضى خاص يتجلى منه احد مظاهر خصوصية الدعوى الادارية التي تتأثر بمبادئ القضاء الإداري باعتبار انه اذا كان حقا أن قانون المسطرة المدنية هو قانون اجرائي يمنح للقانون الحركة ، على حد قول احد الفقهاء، و يعد وسيلة من وسائل تحقيق القانون الموضوعي الذي بدونه يفقد هذا الأخير عنصر الاجبار اللازم لقانونيته، فإن القانون الاجرائي يتأثر في قواعده بالقانون الموضوعي الذي يحققه .( 34 ـ أطروحة وجدي راغب فهمي : نظرية العمل القضائي ـ طبعة 1975 ـ ص 159)
لقد سبق ان أثار الانتباه أحد الباحثين المغاربة للصعوبات المتعلقة بموضوع تطبيق قانون المسطرة المدنية في مجال المنازعات الإدارية( 35 ـ إشكالية تطبيق قانون المسطرة المدنية في مجال المنازعات الإدارية ـ الجيلالي أمزيد ـ المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ـ ع 36 ـ ص 12 الى 29 ) ، مما كان من الحري معه الاخذ بعين الاعتبار بخصوصيات المنازعات الإدارية امام القضاء الاستعجالي و من ثم تخصيص أحكام خاصة بالقضاء الاستعجالي الاداري ، يحدث في اطارها قاضي استعجالي خاص بقضايا الحريات الأساسية التي تعد العمود الفقري لدولة القانون الذي يحرس القاضي المذكور على عدم انتهاك حرمتها .
و دون استعراض تفاصيل و خصائص الدعاوى المدنية او التجارية لأنها أمور تخرج عن سياق هذا البحث ، يجدر القول ان الدعاوى الإدارية تنشأ من أنشطة الإدارة أي نتيجة نشاط عام ، و تخضع لجهة القضاء الإداري، و يختلف دور القاضي الإداري عن نظيره المدني او التجاري لكونه يتوفر على سلطة استقصائية كاملة و رئيسية عند ادارة الدعوى الإدارية ، بخلاف القاضي المدني الذي يواجه نزاعا يهم اطراف و مصالح خاصة و يسيطر عليه إرادة هؤلاء (36ـ Théorie Générale du Procès –Loic Cadiet –Jaques Normand – Soraya Amrani Mekki éd 2010 p385 -(( 36 ـ و السالمي م. س ـ ص 32 ) .
2 ـ نتج عن عدم مراعاة خصوصيات الدعاوى الإدارية ان المشرع نحى الى تطبيق قواعد القضاء المستعجل الشامل على الدعوى الاستعجالية الإدارية فلم توفر مقتضيات المادة 216 من مشروع ق.م.م الحماية الحقيقية المطلوبة للحريات الأساسية التي تتطلع الى احداث منظومة خاصة للقضاء الإداري الاستعجالي تتفرع عنه مقتضيات خاصة تتولى تنظيم تلك الحماية حتى يمكن للقضاء المذكور القيام بهذا الدور الطلائعي في تحقيق دولة القانون.
3 ـ ان القاضي الإداري الاستعجالي كالقاضي الإداري الموضوعي لا يمكنه توجيه امر للإدارة عملا بالاجتهاد القضائي المتواتر الذي يتأسس على مبدء او فكرة فصل السلط و على مضمون الفصل 25 ق.م.م الذي ” يمنع على المحاكم ، عدا اذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة ، ان تنظر ولو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شانها أن تعرقل عمل الإدارات العمومية للدولة أو الجماعات العمومية الأخرى أو ان تلغي احد قراراتها .
و لا يجوز للجهات القضائية ان تبت في دستورية القوانين “.
و حيث أن فرنسا ، و هي موطن القضاء الإداري ، كانت تمنع المحاكم من القيام بأي عمل عملا بمضمون المرسوم الصادر في 22/12/1789 ( المادة 7 ) و المرسوم الصادر في 24/08/1790 ( المادة 13) ، من شأنه عرقلة سير الإدارة في ممارسة عملها الذي اقتبست منه مضمون القاعدة الواردة في الفصل 25 من ق.م.م المشار اليها ، غير أنها تخلت عن ذلك عملا بالقانون عدد 125/95 الصادر بتاريخ 08/02/1995 المتعلق بالتنظيم القضائــي و المساطر المدنية الجنائية و الإدارية و تم تكريسه بمقتضى القانون رقم 597/2000 سالف الذكر .
وحيث حقا قد آن الأوان ليتدخل المشرع بصبغة صريحة وان يأذن لقاضي المستعجلات الإداري صلاحية توجيه الامر للإدارة للقيام بعمل تفعيلا لقضائه إذ، ان من شأن الاستمرار في نفس النهج جعل الامر الصادر عن السيد قاضي الإداري الاستعجالي بدون جدوى سيما و ان سلطة الامر، و مثلما هو راجح عند الفقه، يندرج ضمن صميم أعمال القضاء الإداري ،
و لا يعد مساسا بمضمون مبدأ فصل السلط. (37 ـ مبدأ حظر توجيه أوامر للإدارة من طرف القاضي الإداري و علاقته بمبدأ فصل السلط: ذ / لحسن الحميدي ـ المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ـ ع : 143 ـ الصفحات من 371 الى 391 )
و حيث أنه إذا كان مشروع ق.م.م قد ادخل تعديلا جوهريا على المادة 25 المذكورة أعلاه ، كما يتبين بالرجوع الى المادة 56 من المشروع الذي اقتصر على منع المحاكم من البت في دستورية القوانين، و حذف باقي ما ورد في المادة 25 فإن هذا لا يضع حدا لما تواتر عليه الاجتهاد القضائي بخصوص مبدء منع القاضي الإداري توجيه أوامر للإدارة مثلما يتجلى من عديد من القرارات الصادرة عن محكمة النقض.
4 ـ ان المادة 216 المشار اليها لا تكفل حماية للمواطن في حالة المساس بإحدى حرياته الأساسية من طرف جهة القانون الخاص مكلفة بتسيير مرفق عام خلال ممارسته احدى السلطات ، و ترتب عنها مساس خطير و ظاهر عدم شرعيته.
و ذلك باعتبار ان المادة 31 من مشروع قانون المسطرة المدنية ( الفقرة الأولى ) تجعل المحاكم الابتدائية الإدارية
و الأقسام المتخصصة في القضاء الإداري بالمحاكم الابتدائية مختصة في الطعون بإلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب التجاوز في استعمال السلطة فلا تندرج تحت لوائها القرارات المتخذة من طرف جهات القانون الخاص المكلفة بتسيير مرفق عام ، بينما القانون الفرنسي أتاح للمواطن بمقتضى المادة 521-2 من قانون العدالة الإدارية سالف الذكر تقديم مسطرة رامية لصد كل اعتداء قد يلحق حرياته الأساسية من طرف الشخص المذكور.
5 ـــ يتجلى بالرجوع الى احكام الفقرة الأولى من المادة 216 ان المشروع تخلى عن شرط عدم وجود منازعة جدية الذي كانت تنص عليه الفقرة الأولى من المادة 21 من القانون رقم 53.95 المتعلق بالمحاكم التجارية ، و استبدله بشرط عدم المساس بالجوهر فيتجلى من هذا التعديل ان المشروع نحى الى تقييد اختصاص القاضي الاستعجالي الذي كان يتمتع بسلطات تقديرية واسعة في ظل احكام المادة 21 المشار اليها التي تم إلغاءها معية أغلب مواد القانون المذكور و بطبيعة الحال فمن شأن هذا التضييق ان يتأثر به مركز المواطن عندما يتوجه الى القضاء الإداري الاستعجالي للحصول على حماية من أي اعتداء يكون قد مس حرياته الأساسية ، مما يجدر معه الاستجابة الى دعوة احداث قضاء اداري استعجالي لحماية هذه الحريات.
ـــ خـــــاتــمـــة :
حملا على ما سبق من تحليلات و حيثيات، أعود الى التأكيد على الفكرة الأساسية التي تدور عليها هذه المساهمة المتواضعة باقتراح اصلاح نظام القضاء المستعجل الإداري بكيفية جذرية على غرار ما انتهى اليه المشرع الفرنسي بمقتضى القانون رقم 597/2000 عبر احداث مؤسسة قضاء استعجال قوية ليتمكن قاضي الأمور المستعجلة الإداري من الاطلاع بدوره باتزان و حكمة في حماية الحريات العامة الأساسية ، و منحه سلطات حقيقية يستطيع من خلالها ان يطلع بدوره كرأس حربة القضاء الإداري .
و صفوة القول ان القانون كعمل انساني لابد ان يراعي المصلحة العامة للمجتمع ، و حماية الحريات العامة الأساسية لأفراد المجتمع من طرف المشرع يصبو الى تحقيق هذه المصلحة التي نسعى لسموها عبر هذه المقترحات المتواضعة.
عـــبــــد اللـطيـــف مشـــبـــال