جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

مذكرات نور الدين الرياحي :”لا تفرطوا في الابتسامة و البهجة في زمن الكورونا”

بقلم الأستاذ : نور الدين الرياحي

 

قرأت مقولة حول الابتسامة و البهجة، وتذكرت أنني كتبت منذ خمس سنوات مقالا منشورا في المذكرات حول البهجة، وقد أراد ناشر المقولة أن يقرنها بالابتسامة الجميلة التي تقرنها غالبا المرأة الغربية بأي حركة من حركاتها الرشيقة.

ووجدت أن الشعراء و المغنين غالبا ما قرنوا البهجة بالابتسامة وهناك رائعة فايزة أحمد التي لحنها الموجي إنت وبس لي حبيبي، و أبدع كلماتها الشاعر الغنائي مرسي جميل عزيز  التي جسدت هذا الارتباط ما بين البهجة و الابتسامة و الفرحة و الحلاوة التي يجسدها الحبيب .

والدنيــا إنت بهجتهـــا والبهجة إنت فرحتهــا
والفرحــة إنت ياحبيبي حلاوتهــا وابتسامتهــا
إنت وبس اللـي حبيبـي مهما يقولـــوا العــــزال
ومليت الدنيــــــا عليّ ود.. وحــب.. وحنيــة
خليتني أحب الدنيــــا طول أيامــي ولياليــّا
انت وبس اللـي حبيـبـي مهما يقولـــوا العــــزال

و كم رددنا هذه المقاطع ثارة مع فايزة أحمد و نجاة الصغيرة و الموجي و كل المغنيين و المغنيات الكبار الذين أصبحت سنة في مناسباتهم المرحة و كان ولازال الوصول إلى هذا المقطع يوحي بمن ينشده أن يفرق تلك الابتسامة المدخلة للبهجة على الحاضرين  هذه البهجة التي كادت كرونا أن تقضي عليها و نحن ننظر إلى هذه المناظر المؤلمة يوميا نطلب من الله ان يذهبها عنا و يقينا شرها  و التي لولا ان بعض احبائنا يذكرونا بها و يجودون علينا بها لذهبنا ضحية انهيارات عصبية .

فعندما تتوجه الى المرأة الغربية بسؤال تجيبك بابتسامة و عندما تهدي لها كلمة او وردة  او تحادثها او تبادلها نظرة او رسالة او تترك لها الاحقية في المرور او الجلوس او تعاملها بقواعد الاتيكيت النسائي  او قواعد الفروسية فانها تبتسم و غالبا ما يشعر الرجل بسعادة بالغة أن يظفر بتلك الابتسامة التي لا تتعدى حدودا معينة ، فكم من الشعراء الهمتهم ابداعات كعنتر ابن شداد الذي ود تقبيل السيوف عندما لمعت في الحرب لانها شبهته بثغر عبلة .

و لقد وددت تقبيل السيوف لما

لمعت كبارق ثغرك المتبسم .

و الشعراء والكتاب و الأدباء   أكثر من وصف ابتسامة المرأة لاعتبارات متعددة منها أنهم مرهفو الحس  كما أن خيالهم يرفعهم إلى ما وراء ابتسامة الجميلة التي قد تكون بريئة او تكون  نوعا من عرض الاسلحة التي تفتك بشعورهم.

و قد كان صالح جودت الشاعر المصري الكبير يحكي على تلك المرأة الجميلة التي كانت تطل عليهم في ساعة متأخرة من الليل عندما يخرج أحمد رامي و أصدقاؤه من الشعراء فيسترقون نظراتها و هي تطل عليهم من السطح و عندما يرفعون رؤوسهم خلسة تتراجع إلى الوراء ، فكتبوا اشعارا عن اطلالتها ليلا و وصفوا منديل رأسها الأسود في ظلام الليل و تخيلوا و تخيلوا  ……

و ذات يوم سطع الفجر و ظهرت لهم قلة معلقة على  حبل كان يلعب بها الريح لان صاحبتها كستها بثوب اسود .

و انطلت على شعراء جماعة ابولو صورة القلة الملفوفة في ثوب على انها امرأة مهتمة بهم في هزيع أخير من الليل و من كثرة حشمتها كانت تنتظر خروجهم كل يوم من الشلة لتطل عليهم ملفوفة بحجاب اتقاء البرد ليلا و محتشمة بالتراجع إلى الوراء كلما هم أحد منهم أن يرفع لرؤيتها عينه إلى السماء .

بل ذهب التصور بفولتير إلى اعتبار ابتسامة المرأة شعاع من أشعة السماء و فعلا لم يكذب للاثر الساحر الذي تتركه الابتسامة في النفس درجة انها تنسي الإنسان يوما من التعب او مصيبة من المصائب او خسارة من الخسائر .

و الابتسامة حتى في حالة الحزن عند المرأة يكون لها مفعول مغاير و أشد وقعا لان جمالها يمتزج بنقيضه فيخرج من شفاه المرأة بلسما و دواء لكل داء،  فأجمل ابتسامة كما قال الفريد من ميسي هي تلك التي تشق طريقها و سط الدموع .

بل ذهب عظيم المانيا و شاعرها جوته حد اعتبارها مفتاحا من مفاتيح الجنة ،

ابتسامة واحدة على ثغر حبيبتي تفتح لي أبواب الجنة .

و قد سألتني إحدى طالباتي يوما هل يمكن للمرأة القاضية او المحامية أن تبتسم في الجلسة و هل لا يعتبر ذلك خرقا لواجب التحفظ ؟

و كان جوابي مرافعة أهديتها لها في عيد المرأة .

و اجبتها بأن ابتسامتها هي حكم في حد ذاته غير قابل لاي وجه من وجوه الطعن .

فالقرآن الكريم ذكر العبس كسلوك منهي عنه في التعامل .

و قد كنا نسمي بعض القضاة سامحهم الله الذين كانوا يعتبرون أن تكشير الانياب و عبوس الوجه من شروط مجالس القضاء و نسمي فلان او فلانة : ( عبس و تولى )

فالابتسامة مطلوبة من الرجل و المرأة .

و الاسلام أول ما  من حث على ذلك :

جوه نضرة إلى ربها نضرة .

و كذلك عبر عن الوجوه المكشرة :

( ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة ) أي يعلوها ويغشاها قترة أي : سواد

و قد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم قال فهو قوله ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ) .

و هو تعبير جميل و غاية في تصوير البشاعة عندما يطلى  الوجه بالتراب و الأفلام تستعين بهذه المشاهد غالبا لتصوير التعب و ما عبرت عنه الآية و الشرح غاية في تصوير بشاعة المنظر الذي لا يكتب إلا للتعساء فلماذا يتشبه به الانسان السوي الراغب في السعادة

و كذلك  قوله تعالى: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ}، ومن ثَمَّ قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث -وعبَّر بعضهم بأهل العلم- نضرةً، وجمالًا .و كذلك قوله تعالى وجوه نضرة إلى ربها نضرة .

فحتى الأنبياء كانو يتبسمون:

فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ

يقول تعالى ذكره: فتبسم سليمان ضاحكا من قول النملة التي قالت ما قالت, وقال: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ) يعني بقوله (أَوْزِعْنِي ) ألهمني.

لما تكلمت النملة و نصحت النمل أن يدخل مساكنه ليحطمنهم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون.

حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ .

و اذا كانت هذه الابتسامة ملهمة الشعراء و مستفزة خيالهم و محببة الأنبياء و معشوقة الأدباء الذين جعلوا منها نصف الطريق الى قلب المرأة الجميلة :

من استطاع حمل المرأة على الابتسام قطع نصف الطريق الى قلبها .

فيكتور هيجو .

لكن ليس بالمهمة السهلة حمل المرأة الجميلة على الابتسام فقد كتبت قصص و روايات عن كيف ابتسمت لا جوكاندا لميكايال انج  حتى في اللوحة   و لا كيف ابتسمت جاكلين كينيدي و بأي ثمن لاوناسيس و لا كيف ابتسمت مارلين مونرو لعشاقها الكثر و لا كيف ابتسمت فاتنات البشرية و لا كليوباترا لقيصر روما ،

و كم كانت مشقة الرجال في حملهن على الابتسامة الجميلة التي هي نصف الطريق الى قلوبهن!

و من اجمل القصائد التي سجلها تاريخ الأدب و شعر رائعة ايليا ابو الماضي الداعية إلى الحبور و الابتسامة و كأنه كان يتصور أن الابتسامة سوف يقضى عليها في زمن كرونا الذي أقسم ان يذهب من بين الشفاه و الثغور الجميلة ذلكم البلسم الشافي للعلل و الفاتح للورود و الساقي للطبيعة و الاشجار و الملهم للشعراء و الفنانين  و المضيئ في ظلمات الليل مع الاقمار و السابح مع النجوم في الأكوان:

قالَ: السماءُ كئيبةٌ وتجهما … قلتُ: ابتسمْ يكفي التجهم في السما
قال: الصبا ولّى فقلت له: ابتــسمْ … لن يرجعَ الأسفُ الصبا المتصرما
قال: التي كانت سمائي في الهوى … صارَتْ لنفسي في الغرام ِجــهنّما
خانت عــــهودي بعدما ملكـتها … قلبي ، فكيف أطيق أن أتبســما
قلـــت: ابتسم و اطرب فلو قارنتها … لقضيت عــــمرك كــله متألما
قال: الــتجارة في صراع هائل … مثل المسافر كاد يقتله الـــظما
أو غادة مسلولة محــتاجة … لدم ، و تنفث كلما لهثت دما
قلت: ابتسم ما أنت جالب دائها … وشفائها، فإذا ابتسمت فربما
أيكون غيرك مجرما. و تبيت في … وجل كأنك أنت صرت المجرما ؟
قال: العدى حولي علت صيحاتهم … أَأُسرُّ و الأعداءُ حولي في الحمى ؟

لذلك دعونا نبتسم و دعوا الجميلات يتنقلن كالفراشات بلسما بابتسامات يشفين البشرية فقد حكى إحدى الناجين من كرونا أن ابتسامة ممرضيه و ممرضاته كانت ترجع له الأمل في الحياة.

فعاد إليها فإذا حرمتنا كرونا من العناق و الزمتنا بالابتسام تحت اللثام فانزلوا أيتها الجميلات لثامكن للابتسام ففي ابتسامكن امل للحياة !

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.