أمين السعيد: المغرب بحاجة إلى تعاقدات جديدة ما بعد كورونا
جورنال أنفو- عبد الإله طلوع
خصّ أمين السعيد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس”جورنال أنفو”، بحوار حول المفاضلة بين الحماية الصحية والتضحية بالاقتصاد، والآثار الاقتصادية الناتجة عن الوباء، والتعاقدات الاجتماعية والسياسية، وإكراهات وإيجابيات أخرى.
ما هو تقييمك لفيروس كورونا في المغرب، بالمقارنة مع بلدان العالم؟
بعيدا عن الأحكام السريعة المتعلقة بتقييم مقاربة الدولة المغربية في مواجهة جائحة الفيروس التاجي، يتضح بشكل جلي انخراط مختلف الدول سواء المتقدمة أو النامية أو المتخلف في اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لتطويق الانتشار السريع للفيروس التاجي كوفيد 19.
وفي سياق المقاربات الدولية المتخذة، تركز نقاش سياسي في مختلف الدول حول المفاضلة بين الحماية الصحية والتضحية بالاقتصاد، وداخل هذا النقاش برز بشكل واضح تردد بعض الدول في الإجابة عن هذا التساؤل المركزي، نموذج إيطاليا، تركيا، البرازيل، الولايات المتحدة الأمريكية.
عربيا، هناك شبه تقارب بين الدول العربية في التدابير والإجراءات المتخذة بالرغم من تباين الإمكانيات المالية التي تتوفر عليها هذه الدول، كما ينبغي الإشارة إلى أن المغرب بحكم موقعه الجغرافي وعلاقته بأوروبا، كان من الدول المهددة بتفشي الفيروس التاجي كوفيد 19، إلا أن التجاوب السريع للدولة المغربية انطلاقا من التوجيهات الملكية والتدابير التي اتخذتها السلطات العامة خففت نسبيا من تحول المغرب إلى بؤرة عربية.
وفي هذا المنحى، وفي إطار التجارب الفضلى، برزت بشكل قوي مقاربة دول شرق أسيا (سنغافورة؛ هونكونغ، تايوان؛ كوريا الجنوبية، باعتبارها راكمت ذاكرة وتجربة مؤسساتية ومجتمعية لمواجهة الأوبئة (وباء سارس)، وأضحت تتوفر على بدائل سريعة وفعالة للحد من آثار الأوبئة، كما أنها كانت سباقة في اتخاذ مختلف التدابير والإجراءات الاحترازية التي قامت بها مختلف الدول بعد شهر أو شهرين من انشار الفيروس التاجي.
ماهي الآثار كوفيد 19 المترتبة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؟
إن هناك عولمة للآثار السلبية للفيروس التاجي بفعل الترابط الدولي، كما هناك تراجع دولي على مستوى معدل النمو كأصل عام سواء في الاقتصادات القوية أو الاقتصادات الناهضة أو الهشة، حيث تختلف الآثار حسب الوضعية الاقتصادية للدولة وإمكانياتها المالية.
تجدر الإشارة إلى أن الآثار السلبية للفيروس التاجي في المغرب مست مختلف القطاعات، وإن كان هذا التأثر يختلف حسب القطاعات، فلا شك أن قطاع السياحة وقطاع الخدمات، بالإضافة إلى قطاع الفلاحة؛ بفعل شح الأمطار، كلها قطاعات تتصدر أولويات القطاعات المتضررة من الآثار السلبية للفيروس التاجي، غير أن هذه الآثار السلبية تختلف قوتها من دولة إلى آخري، فمثلا الدول التي تعتمد على النفط وجدت نفسها أمام أزمة خطير غير مسبوقة مما جعلها تستنجد بالاحتياطات المالية المخزنة (قطر، الإمارات، السعودية).
وفي هذا التوجه، من بين الإشكالات التي عمقت من الآثار السلبية لتداعيات الفيروس التاجي كوفيد 19، هناك إشكالية هيمنة الاقتصاد غير المهيكل في علاقته أيضا مع غياب السجل الاجتماعي، هذه الإشكالية تؤثر على محدودية دعم الفئات الاجتماعية وتجعل الدولة مكبلة وغير قادرة على تقديم إجابات وحلول دقيقة، الأمر الذي يؤثر سلبا على جميع الإجراءات والتدابير التي قامت والتي يمكن أن تقوم بها.
أما الإشكالية الثانية المتعلقة بصندوق الدعم، وهي في الحقيقة إشكالية تتجاوز حدود إمكانيات الدولة المغربية، حيث بلغ 3 مليار (دولار أمريكي)، وهو رقم قليل غير قادر على معالجة الآثار السلبية التي تزاحمت مع الأعطاب البنيوية للاقتصاد المغربي، مقارنة ببعض الأرقام الدولية؛ إيطاليا 25 مليار يورو؛ فرنسا 360 مليار يورو، بريطانيا 383 مليار يورو، ألمانيا 750 مليار يورو، قطر 20 مليار دولار أمريكي، السعودية 13 مليار دولار أمريكي، مصر 6 مليار دولار أمريكي.
وفي ظل هذه الأرقام المرتفعة، يبرز دور الاحتياط المالي كأحد الأجوبة المقدمة لمعالجة أثار الفيروس التاجي، في حين حاولت بعض الدول الأخرى تبني خيار الاقتراض لدعم الاقتصاد وإن كان هذا الخيار يحمل في طياته تداعيات على مستوى التوازن المالي في القادم من السنوات.
هل المغرب بحاجة إلى تعاقدات اجتماعية وسياسية؟
بات معروفا أن الأنظمة السياسية في حاجة إلى تعاقدات سياسية جديدة بعد الأزمات، الأمر الذي يفرض سؤال الحسم في خيار مواصلة البناء الديمقراطي الذي يتأسس على تقوية الديمقراطية التمثيلية وإشراك الديمقراطية التشاركية في بلورة التوجهات الكبرى للسياسات العمومية، وتعزيز مسار الإصلاحات السياسية والمؤسساتية وربطها بالنموذج التنموي المنتظر، وإعادة الاعتبار للسياسة عبر تقوية الأحزاب السياسية وإصلاح القوانين المنظمة للجمعيات وتقوية صلاحيات الجماعات الترابية، وتفعيل الجهوية المتقدمة، وتعزيز انخراط الشباب في الحياة السياسية وإعادة النظر في منظومة الديمقراطية التشاركية، والاستمرار في إصلاح قطاع العدالة.
لذلك، نجاح النموذج التنموي أو ما يعرف بالمشروع المجتمعي مقرون بإصلاح المجال السياسي كمدخل يضفي صبغة المصداقية على كافة المجالات، ومن شأنه إعادة الثقة المجتمعية لكل المبادرات التي يمكن أن تطلقها الدولة في سياق التحولات السياسية لمغرب ما بعد جائحة الفيروس التاجي كوفيد19.جورنال