أهمية قانون التفتيش القضائي
جورنال أنفو
عبد اللطيف الشنتوف
رئيس نادي قضاة المغرب
التفتيش القضائي (واتمنى من المشرع أن يجد له اسما آخر غير مصطلح التفتيش الذي له ايحاءات سلبية ) له أهمية كبرى للعمل القضائي وللقضاة ولمؤسسة القضاء على حد سواء، إذ مهما كانت المبادئ المنصوص عليها في الدستور والقانون جيدة فإن الجهات المكلفة بتنزيل تلك المبادئ على أرض الواقع هي التي تبعت الروح في تلك المبادئ، والا فإنها ستبقى دون فائدة كبيرة.
ومن أهم الجهات هنا الموجودة في الميدان جهاز المفتشية العامة في الميدان القضائي، وهكذا يتضح أنه بالنسبة للعمل القضائي، فإن وجود مؤسسة قوية ومنظمة بشكل قانوني ومحترفة في عملها من شانه أن يشكل أداة أساسية لحل عدة اشكاليات مرتبطة بالعمل اليومي بالمحاكم ، ومنها رصد مشكلة عدالة التوزيع بين القضاة ورصد عدم احترام جداول الجمعيات العامة وانعدام الوسائل المادية للعمل وظروفه والتدخل لرصد أي مشكل يواجها القاضي ولم يقم المسؤول القضائي المعني بحلها أو تبليغها إلى الجهات المعنية بها حسب الاختصاص ، وأما بالنسبة للقاضي كفرد ، فإنه من المفروض أن يعطي جهاز التفتيش الانطباع له ، بانه جهاز يقف إلى جانبه في تطبيق القانون وحمايته من خلال الاجراءات الميدانية التي تباشرها المفتشية العامة ، كما أنه من المفروض أن تشكل المفتشية العامة ضمانة أساسية له في حالة مسطرة التأديب من خلال الأبحاث التي تباشرها بشكل مستقل ومتجرد من أي تأثير كيف ما كان ، بحيث يجب ان يكون هدفها هو الوصول الى النتيجة الحقيقية واستخلاص بعض المعطيات منها من خلال مؤشرات بحثية واضحة وليس مجرد انطباعات ، ومن تم تكوين النظرية التي ستقدم لمؤسسة المجلس التي يجب أن تضاهي هذه الحقيقة او النتيجة ، بحيث تكون مهنية ولها جرأة في أن تلتمس من المجلس كهيئة تأديبية حفظ الملف بالنظر لغياب الأدلة أو العكس ، لا أن يكون عملها مرتبط دائما بالإدانة التأديبية ، كما أن عملها يجب ان يكون على مستوى عال من النفس الحقوقي ومتماش مع ما تعرفة الساحة الحقوقية ببلادنا من ممارسة هذه الحقوق بشكل واسع باطار دستوري وقانوني وبدعم من جلالة الملك حفظه الله ، بحيث إن القاضي يجب أن يعيش على هذا المستوى في نفس المنحى الذي وصل اليه مجتمعه من تقدم حقوقي واكثر تشبعا بهذه الثقافة قولا وممارسة ، ولا سيما ما تعلق بممارسة حرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية من دون استثناء الا ما استثناه القانون في اطار ضيق ، اذ لا يعقل أن تعمل المفتشية العامة بنفس المنطق في هذه القضايا الحقوقية التي فيها اخد ورد ونقاش مع قضايا مرتبطة بمخالفات مهنية صرفة– مع ضمان حق الجمع في قرينة البراءة القانونية طبعا -.
وأما بالنسبة لمؤسسة القضاء بشكل عام، فإن المفتشية العامة يجب أن تخرج عن دورها التقليدي العادي المحدود وتقوم بالاشتغال على عدة مؤشرات هامة أهمها مؤشر الثقة في القضاء والأسباب المباشرة والغير المباشرة التي تزعزع هذه الثقة وتقدم خلاصاتها وتوصياتها المبنية على الأبحاث والدراسات للجهات المسؤولة للقيام باللازم، وطبعا هذا الموضوع كبير جدا ويحتاج لتفاصيل كثيرة ولكنه مهم جدا، لان نجاح العمل الآن في مختلف القطاعات العامة والخاصة أضحى قائما على أمرين اساسين، أولهما يتعلق بالجهد المبذول وكفية (تسويقه) بشتى الوسائل واهمها الوسائل الاعلامية، وثانيهما رصد الأسباب الضارة بالمجهودات المبذولة من طرف القضاة أعضاء السلطة القضائية والمؤسسات التي تدير هذه السلطة والتغلب عليها ( من هذه الاسباب على سبيل المثال: مستوى التخليق في القضاء ومستوى الشفافية وتطبيق مبادئ الحكامة والمصداقية التي تعني فيما تعينه عدم التصريح بما هو غير موجد حقيقة في الواقع.. وغير ذلك ، وهذه الأسباب قد تكون صحيحة وقد تكون إشاعات أو يكون البعض القليل منها صحيح ويتم تضخيمه …..وبالتالي من الجيد جدا أن تشتغل المفتشية العامة على هذه الواجهة بطرق علمية دقيقة ..)….
وفي نظري فإنه لتحقيق هذه الامور ، لا بد من توفير الأسس الآتية :
– الأساس القانوني : وجود قانون متين لمؤسسة “المفتشية العامة”، يشترك في إخراجه كل المكونات المعنية به ، ومنها اساسا الجمعيات المهنية للقضاة،و يحدد فيه بدقة اختصاص مؤسسة التفتيش القضائي المبنية على الحياد والتجرد والمهنية ويحدد حقوق وواجبات أعضائها وطرق الانتساب للمؤسسة عن طريق مباراة مفتوحة أمام عموم القاضيات والقضاة تنظم بشكل احترافي ومهني ….وللأسف كنا نتمنى لو ان هذا القانون جعله الدستور من القوانين التنظيمية ما دام ان الدستور نفسه نص على وظيفة التفتيش وذلك حتى تكون رقابة المحكمة الدستورية ضمانة إضافية وهامة للقضاء والقضاة…
– الأساس المؤسساتي/المادي : يجب أن توفر للمؤسسة الموارد المادية الكافية للقيام بعملها مع تحفيز أعضائها ماديا.
– الأساس الادبي : يجب ان تشتغل المؤسسة بأدبيات مهنية واضحة تنهل من ثقافة استقلال السلطة القضائية ومبادئها العالمية ومن الخطب الملكية في هذا الموضوع وأن يكون لموضوع حياد والتجرد هاجس كبير في اشتغالها ، كما يتعين وضع ميثاق أخلاقي لأعضاء المؤسسة وطريقة اشتغالهم وتعاملهم مع القضاة أثناء انجاز الأبحاث ، بل لا بأس هنا من النص على اجبارية تكوين أعضائها قبل وأثناء ممارسة عملهم ، لكون التكوين الأساسي والمستمر اصبح من الأساسيات لنجاح أي مشروع مجتمعي وهو غير مرتبط بوضعية معينة أو منصب مهما كان رفيعا ، فمنصب القضاء على قدر رفعته ومع ذلك تطلب القانون فيه التكوين المستمر بشكل دائم ، وبالتالي التكوين الاحترافي لا ينقص من درجة أي كان.