الإنسان والتنمية.. أي مجتمع غدا؟
جورنال أنفو
* شيماء التائب
الإنسان والتنمية.. أي مجتمع غدا؟ شيماء التائب إن الوعي بمدى قيمة الإنسان الذي يعتبر فاعلا رئيسيا في المنظومة الخاصة بالتنمية الشاملة، يدفعنا إلى التفكير مليا بكل ما يحيط به من تعليم عالي الجودة ورعاية صحية وسكن ملائم، إلخ. إيمانا بأن الوسط الملائم هو ما يعزز مكانة الإنسان داخل المجتمع ودفع به نحو التفكير والابداع كغاية قصوى يحتاجها أي مجتمع يطمح لتغيير والاصلاح عبر التركيز على أولويات المجتمع التي ترتكز أساسا على هذا العنصر البشري، فهو المورد أو البئر الذي يجدرا خراج كل ما بجعبته من طاقات تعود نفعا عليه وعلى مجتمعه. فالناس هم من عليهم أن يقرروا نوع التغير واصلاح وليست الحكومة أو ما شابه ذلك. فما هو اذن دور الانسان في التنمية؟ وماهي الاجراءات الكفيلة لتأسيس لغد أفضل؟
الإنسان كفاعل أساسي في التنمية
إن هذا التفكير الذكي لا يفكر به إلا المجتمع الذكي، أو المجتمع الذي أحس أخيرا أن لا تنمية بدون إنسان تتوفر فيه الشروط الكفيلة بالخلق والابتكار، إنسان متحرر بأفكاره، وبهذا أصبحنا أمام معادلة صحيحة صادقة، وهي أن التنمية البشرية تساوي تنمية المجتمع. فالفرد هو من يبني وهو من يهدم وتتوقف عليه هذه المهمة التي نراهن عليها بالنجاح إن أحسنا سياسة التعامل معه كمنتج لا كمستهلك، وتعزيز طاقاته، وذلك عبر ترك له حيزا أو هامشا من التحرك. ولا يجب أن نضيق على هذا الكائن المبدع ونحسر ممارساته. وعليه، فإن هذا التأخر الذي يلاحق الإنسان ويغفل دوره في الدفع بعجلة التنمية انتهى عهده. فما تفرضه حاجات المجتمع من اهتمام أكثر فأكثر به أضعاف المرات من أي شيء أخر وتدارك التأخر الذي به نؤهل إلى مرحلة أكثر نضجا تبين عن وعي المجتمع، أو بعبارة أخرى، عن مجتمع أضحى يسير على المنوال الصحيح. وهنا تقتضي الضرورة التكلم عن التفوق الإنساني. فالإنسان اليوم قادر على تحقيق المعجزات وتحقيق النجاحات التي تغير مجرى أوضاع كثيرة كان يصعب تصورها في عصور سابقة. لهذا، يستحق الإنسان العناية الكافية للاستفادة من خبراته المحفزة بشكل كبير للبرامج والمشاريع التنموية، ونتذكر باستمرار أن التنمية لا تنحصر في المعادلات الاحصائية الرقمية، وإنما في تنمية اجتماعية تحقق لا محاله تنمية للمجتمع بأكمله، وازدهار لكل مجالاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ,البيئية ….)، لأن بغياب العنصر البشري تغيب كل الجهود وتفقد كل الخطوات الفعالة سبيل النجاح. لهذا، تجدر الاستفادة من قدراته اللامحدودة بشكل معقلن وبلورتها بما يفيد المجتمع، وأن تصب الجهود في اتجاه البحث عن ما يفجر في هذا الانسان الفعل كغاية عظمى لتحقيق التقدم والتنمية المراد إنجازه. فالإنسان بتدخلاته واقتراحاته يساهم بوجه أو بأخر في خلخلة كل ما يراه معوقا وإعادة البناء المثمر عن طريق رؤية واضحة لا تتجاوز المعقول والممكن. ان التحدي الكبير الذي يحكم واقعنا هو عدم الثقة بكفاءات بلادنا، على الرغم من أن الإنسان هو الجوهر الأساسي في رقي أي مجتمع وفي اصلاح أعطابه، وخير دليل ما شاهدناه في دول كثيرة عانت من الحروب ولم تجد أمامها سوى العامل البشري للوقوف من جديد على أقدامها، والذي ساهم أيضا في تغيير المخططات السلبية التي كانت تعاني منها الدول على المستوى التدبير السياسي والاقتصادي.
الإجراءات المقترحة في هذا الباب للتأسيس لغد أفضل
يعد الإنسان بالفعل الفاعل الأساسي في التغيير الاجتماعي والقادر على إحداث مجموعة من التغيرات في القيم. فالإنسان المنتقد الأول والأخير للأوضاع والملح على تغييرها. وبالتالي، هذه الارادة والدافعية التي يكشف عنها في ثنايا خطاباته تستحق الأخذ بها، كما يستحق أن يعيش في الظروف التي تشعره بالرضا. ومن الأفكار التي أراها معززة لذلك، وهي كثرة المنابر التي تنصت إلى الفرد، لأن الفرد في الحاجة الى أذان صاغية لا أفواه جارحة أو أحكام لاذعة. وأيضا في الحاجة أن نعزز القيام بتجارب دون خوف من فشلها، فالمهم هو أن نشجع المبادرات المرفوقة بتحفيز ولو بشكل بسيط، كاعتراف بمجهوداتها، وانشاء جماعات مهنية بعيدة عن الممارسة السياسية التي تقيد الفكر وتحصره في اتجاه واحد. أيضا انشاء قاعدة علمية متميزة لكافة الباحثين والعاملين في مجالات الفكر العلمي المختلفة وتقديم المشورة الفاعلة لمتخدي القرار، لأن البرامج التنموية عليها أن تقيس مكامن الاختلالات التي يثيرها الأفراد، وبنفس القدر عليها إشراكه في تفعيلها شبابا كانوا أو نساء أو حتى شيوخ كل بحسب مقدوره وخبراته التي عاينها، والتي حان الوقت لتأخذ بنوع من الجدية بدون تفضيل ذلك، لأننا في صلب الحديث عن الرأسمال البشري وهو يشمل مختلف الفئات والأعمار ولأننا نؤمن بقيمته ونرى فيه الحجر الأساس لأي عمل متين، واللبنة الأساسية لبناء مجتمع الغد. لهذا، نشدد أن على أي استثمار أن يصب في هذا الاتجاه، الذي من خلاله سيتسنى لنا استغلال قدراته على الأداء وتوفيرها بالشكل الاستراتيجي لتحقيق كافة الطموحات. فالقادة الحقيقين المرتبطين بروح الشعب ومشاعره يدركون ادراكا غريزيا أن التنمية لا يمكن أن تتم بقرار فوقي يفرض على الجماهير من أعلى ويتجاهل احتياجاتهم وعاداتهم وتقاليدهم. لهذا تقتضي الضرورة طرح سؤال لمن التنمية عند أخد أي بادرة .والتقيد بمجموعة من الاجراءات التي يمكن أن تصب سواء على المستوى الجهوي أو الوطني :
– الاستثمار الأمثل للموارد البشرية, ودعم الكفاءات.
– الموازنة بين الرقابة على المشاريع التنموية التي تنجزها فئة الشباب واستقلالها الوظيفي في العمل.
– اذكاء بوادر الفعل في الاطفال منذ الصغر من خلال ترك لهم حيز مهم لتحرك في فضاءاتهم بدأ من الأسرة ثم المدرسة …باعتبارهم هم حاملي المشعل مستقبلا.
– استفادة من كبار السن والتجارب التي راكموها عبر جعل دار المسنين رافدة من الروافد لفتح نقاشات تعج بأفكار ذهبية وورشة من ورشات تكوين الشباب ونقل الخبرات لهم ,فوحده الشعور بالعطل هو من يقتل النفس ويميتها .
– دعم البحوث الميدانية الجماعية في المناطق المعزولة البعيدة عن الخدمات الحديثة ومحاولة ادماجها ضمن مجتمع واحد من خلال برمجة مشاريع تؤخذ فيها آراؤهم للقضاء على التفاوتات، وكل نماذج التخلف التي تعيق تنمية المجتمع.
وأخيرا إن هذا الإيمان بالإنسان كمصدر للفعل وذات فاعلة، هو ما سيعطي دفعة قوية لكل الإنجازات التي تتعطش لها أي تنمية.
كما نضع في الحسبان أنه كلما ارتفعت فرصهم من تحقيق الأهداف المساهمة في بناء المجتمع، تقلصت إمكانية خرقهم للقواعد، وبهذا نحقق التماسك الاجتماعي، كما أنه يكون للمجتمع الفاعلين الحقيقيين الذين يحملون قيم الوفاء له.
* الباحثة شيماء التائب تخصص سوسيولوجيا التنمية المحلية