اتفاق ما بعد البريكسيت.. بعد طلاق صعب، بروكسيل ولندن يرسيان أسس شراكة “ودية”
جورنال أنفو
“سنكون أصدقائكم، شركائكم، حلفائكم وسوقكم الأولى”، هكذا صرح بنبرة ملؤها الارتياح، رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، متوجها بالقول إلى الاتحاد الأوروبي بعد بضع دقائق من الإعلان عن الاتفاق لما بعد البريكسيت، الذي تم التوصل إليه بين لندن وبروكسيل.
فبعد مفاوضات طويلة وشاقة امتدت لعدة شهور، توصل الأوروبيون والبريطانيون أخيرا لأرضية مشتركة، مكنت من إبرام اتفاق غير متوقع بشأن علاقتهما لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وبعد شروع المعسكرين في مسلسل التفاوض بأمل جيد في التوصل بسرعة إلى توافق حول شروط شراكتهما المستقبلية، سرعان ما توقف المعسكران عند صعوبة التوفيق بين مواقفهما، في الوقت الذي جاء فيه وباء “كوفيد-19” لتعقيد المهمة أكثر فأكثر.
وفي الواقع، ألقى الفيروس بثقله على المحادثات بعد العدوى التي أصابت بعض المفاوضين الأوروبيين والبريطانيين، وانقطاع المحادثات لعدة أسابيع، ما جعل احتمال التوصل إلى اتفاق غير أكيد، لاسيما وأن الجدول الزمني الضيق لم يمكن من تيسير الأمور.
وأدى رفض لندن لتمديد المرحلة الانتقالية البالغة 11 شهرا إلى ما بعد 31 دجنبر، والتي كان من المفترض أن تمكن الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من تحديد شروط علاقتهما المستقبلية، إلى زيادة مخاطر فشل المفاوضات، في الوقت الذي ما فتئت فيه الفجوة بين الطرفين تتسع بشكل مطرد مع مرور جولات المحادثات التي كانت تتوالى دون إحراز أي تقدم ملموس.
ومع اقتراب الفترة الانتقالية من نهايتها، دون تسجيل أي تقدم مهم، اعتقد المسؤولون الأوروبيون والبريطانيون أن سيناريو الخروج “من دون صفقة” كان هو الأرجح بسبب الخلافات المستمرة.
وكان علينا انتظار السرعة النهائية للتغلب على نقاط الخلاف، لاسيما فيما يتعلق بثلاثة قضايا: قواعد المنافسة العادلة، إدارة الشراكة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والصيد البحري.
وإذا كان الأفق قد أشرق بالنسبة للنقطتين الأوليين في الأيام الأخيرة، فإن مسألة وصول الصيادين الأوروبيين للمياه البريطانية ظلت العقبة الأخيرة في طريق التوصل إلى اتفاق.
ولطالما تعثر المفاوضون الأوروبيون والبريطانيون حول كيفية مشاطرة قرابة 650 مليون يورو من المنتجات التي يصطادها الاتحاد الأوروبي سنويا في المياه البريطانية، وفترة التعديل بالنسبة للصيادين الأوروبيين.
وفي النهاية، بعد محاولة أخيرة وفي غضون أسبوع من الموعد النهائي المحدد في 31 دجنبر، تمكن الجانبان من وضع حد لوضعية الجمود، حيث توصلا إلى توافق ينقل بموجبه الاتحاد الأوروبي إلى المملكة المتحدة 25 بالمائة من قيمة المنتجات التي يتم اصطيادها في المياه البريطانية من قبل الأساطيل الأوروبية، وذلك في أعقاب فترة انتقالية مدتها خمس سنوات ونصف. فاعتبارا من يونيو 2026، ستتم إعادة التفاوض سنويا حول ولوج الصيادين الأوروبيين.
وإلى جانب موضوع الصيد، اتفق الأوروبيون والبريطانيون على اتفاقية للتجارة حرة تقوم على مبدأ “صفر تعريفات، صفر حصص”، والتي لا تغطي فقط تجارة البضائع والخدمات، لكن أيضا العديد من المجالات الأخرى، من قبيل الاستثمارات، والمنافسة، ومساعدات الدولة، والشفافية الضريبية، والنقل الجوي والبري، والطاقة والاستدامة، والصيد البحري، وحماية البيانات، والتنسيق في مجال الضمان الاجتماعي.
كما تعهد الطرفان بضمان شروط تنافسية “متينة “، إلى جانب ضمان ربط جوي وبري وسككي وبحري مستمر ومستدام.
وفي المجال الطاقي، تمنح الاتفاقية نموذجا جديدا للتجارة والترابط، مع ضمانات للمنافسة المفتوحة والعادلة، بما في ذلك معايير السلامة لإنتاج الطاقات البحرية والمتجددة، فيما ترسي إطارا جديدا للتعاون القضائي في المجالين الجنائي والمدني، وتشدد على الحاجة إلى زيادة التعاون الأمني، لاسيما لمكافحة الجريمة عبر الحدود والإرهاب.
ومع هذا الاتفاق الذي تم إحرازه بعد مطاف عسير، تجنبت بروكسيل ولندن بصعوبة السيناريو الأسوأ الذي كان سيكون له عواقب اقتصادية وخيمة على كلا المعسكرين في وضع عصيب يتميز بالأزمة الناجمة عن وباء “كوفيد-19”.
وبعد نهاية عملية طلاق عاصفة استمرت 4 سنوات ونصف، والتي اتسمت بتقلبات ومنعطفات وشكوك ومخاوف كثيرة، يرغب الطرفان الآن في طي هذه الصفحة وبدء شراكتهما الجديدة على أساس جيد، حسب ما أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية.
وأشادت رئيسة السلطة التنفيذية الأوروبية، التي شعرت بالارتياح لانتهاء حلقات هذا المسلسل الشاق، لكون هذه الاتفاقية مع المملكة المتحدة “تضع الأسس الصلبة لبداية جديدة مع صديق قديم”، معترفة بأن “الأمر استحق القتال من أجل بلوغ هذه الاتفاقية العادلة والمتوازنة”.