المهن الموسمية في رمضان.. رواج تجاري يرسخ استمرارية تقاليد أصيلة
مع حلول الشهر الفضيل، تتسارع وتيرة نشاط العديد من المهن والأنشطة الموسمية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتغيرات التي تشهدها العادات الاستهلاكية للمغاربة، خاصة ما يتعلق بمختلف المواد الغذائية المستخدمة بكثرة في رمضان.
حركة دؤوب تشهدها العديد من الأنشطة الموسمية، من قبيل إنتاج حلويات “الشباكية” و”المقروط” وغيرها من الوجبات التي تزين مائدة الإفطار الرمضاني. والحال نفسه بالنسبة لصناعة عجين “الورق” الذي يكثر إقبال السيدات على اقتنائه لإعداد العديد من “الشهيوات” التي اعتاد الكبار والصغار على الاستمتاع بها، غير أنها تكتسي خلال الشهر الكريم نكهة خاصة تختلف عن الأيام العادية.
الأمر ينطبق كذلك على أنشطة صنع وبيع الفطائر بكافة أنواعها، والحلويات المشرقية التي أضحت تحظى بإقبال متزايد لدى المستهلك المغربي، إلى جانب “الورقة” التي تصنع منها مختلف المقبلات الحلوة والمالحة. منتجات تزدهر صناعتها بكافة المدن المغربية، لتجلب معها حركة رواج وانتعاشة تضمدان بعضا من خسائر السنة الماضية التي طالت العديد من المحلات التجارية.
فبعد أن تضررت الكثير من المهن الموسمية الرمضانية خلال السنة الماضية، بفعل ظروف جائحة “كورونا”، يستغل أصحاب عدد من هذه المهن الصغيرة فرصة الإقبال المتزايد للمستهلكين، مما يشكل فرصة لخلق رواج تجاري تنتعش في ظله هذه المهن، التي تؤثث سلعها الجذابة واللذيذة واجهات المحلات التجارية.
في هذا الصدد، يقول صاحب مخبزة بمدينة تامسنا إن التحضيرات لاستقبال الشهر الفضيل تبدأ خلال شهر شعبان، حيث يشرع في تقديم مختلف أنواع الحلويات وأيضا “الورقة” التي تلقى إقبالا كبيرا من لدن الزبناء الذين يصطفون أمام المحل إما لتقديم طلبية أو استلامها.
ويضيف، في دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، أنه يغتنم فرصة حلول الشهر الفضيل لتهيئة فضاء خاص بإعداد “ورق” العجين الذي يصطف زبائن المحل من أجل اقتنائه، وأيضا فضاء آخر لبيع “الشباكية” التي تلقى إقبالا واسعا، فضلا عن باقي المخبوزات الاعتيادية التي يتم إعدادها خارج فترة “العواشر”.
إلى جانبه، تنهمك شابة في عقدها الثالث في بسط عجين الورق على “صاج” لتلتقطه بعيد دقيقة وتضعه أمام زميل لها يتكفل بصف أوراق العجين ووزنها حسب طلبيات الزبائن المسجلة أمامه.
وتقول، في بوح مماثل، إن الفرصة التي يتيحها الإقبال على استهلاك هذا المنتج تمكنها من العمل بشكل موسمي، وتحقيق عائد مادي.
على الرف المقابل من المحل، وخلف سلسلة حديدية تفصل بين فضاءي ولوج ومغادرة المخبزة، احتراما للإجراءات الاحترازية، تتراص صحون مقعرة ضخمة مملوءة عن آخرها بـ”الشباكية” يقبل عليها الزبناء. يستطرد صاحب المخبزة بالقول إن إقبال الزبناء، ورغم الحركية التي يشهدها المحل، لم يصل بعد إلى المستوى المعهود الذي كان عليه قبل ظهور الوباء، غير أن الوضع أفضل من السنة الماضية.
على جنبات الأرصفة، يصطف عدد من باعة التمر الذين يعولون كثيرا على إقبال المواطن المغربي على استهلاك هذه المادة الأساسية ضمن مكونات المائدة الرمضانية، حيث تتعالى أصواتهم بمدح جودة السلع التي يعرضونها وكذا مصدرها، سعيا لجذب اهتمام المارة وحثهم على اقتنائها.
يكثر الإقبال كذلك، خلال شهر رمضان، على اقتناء “الجبن” الطازج الملفوف في سلال صغيرة من الدوم الذي يعرضه باعة متجولون، والذي يشكل لدى العديد من الزبناء مكونا لا محيد عنه، رغم انتشار الأنواع المصنعة، إذ يرتبط بأصالة عادات وتقاليد الأسرة المغربية.
نشاط تجاري آخر، أضحى يشهد إقبالا بوتيرة متزايدة تنطلق مع استعدادات الأسر المغربية لقدوم الشهر الأبرك، وتستمر خلاله، ويتمثل في محلات التوابل التي تقوم بـ”طحن” مختلف أنواع “العطرية”، التي تستخدم في مختلف “الشهيوات”، من “سلو” و”شباكية” وغيرها من أطايب الأكل، إذ تشهد هذه المحلات إقبالا كثيفا من لدن الزبناء الذين يرغبون في الحصول على نوعية ذات جودة من هذه التوابل، عوض الاكتفاء باقتناء تلك الجاهزة.
وعلى غرار فترة الاستعدادات لعيد الأضحى، تمسي محلات التوابل هذه قبلة مفضلة لسيدات يصطففن أمام المحل، ويقمن بتنقية التوابل من الشوائب قبل أن يتم تمريرها داخل آلة تحولها إلى دقيق ناعم ذي نكهة أخاذة، ليسهل بذلك إدماجه ضمن باقي مكونات الوصفات الرمضانية.
مع اقتراب أذان المغرب، تغدو “السويقة” فضاء مزدحما بالراغبين في ملء طاولة الإفطار بما طاب من المأكولات، قبل توقف الأنشطة بفعل حظر التنقل الليلي، وهي فرصة يغتنمها العديد من ممتهني حرف صغيرة في ظاهرها، غير أنها تشكل جزء لا يتجزأ من مظاهر فرحة يجلبها قدوم الشهر الفضيل، واستمرارية لعادات راسخة تشكل جوهر وسحر طقوس راسخة في القدم.