الساعة لله
( كل شيء في الحياة له لصوصه، والوقت له لصه الشرير الذي يسرقه دون إمكانية إرجاعه) دريو فو
يبدو أن الساعة أصبحت مشكلة حقيقية في بلادنا، وباتت حديث الناس ومعاناة الأطفال، بعدما تحولت عند حكومتنا السعيدة لمصدر تعذيب للمواطنين، بل أصبحت نوعا من التحايل القانوني والتشريعي لهذه الحكومة.
فالقانون المنظم للتوقيت بالمغرب يستند على مرسوم ملكي صدر أثناء فثرة الاستثناء، أي حينما كانت السلطة التشريعية بيد المغفور له الملك الحسن الثاني داخل فثرة حالة الاستثناء، فمارس سلطته التشريعية بعدما قام بتعليق عمل البرلمان كتدبير، فأصدر هذا المرسوم الملكي الذي يرقى إلى مستوى قانون، وحدد بواسطته التوقيت القانوني الرسمي للمملكة المغربية في توقيت “جرينيتش”، ومنح للحكومة سلطات تنظيمية ضيقة في مجال تدبير “الساعة”، من خلال إمكانية إضافة أو نقص ستون دقيقة للتوقيت القانوني، لكن بشكل محدود في الزمن، أي (داخل السنة وابتداء من تاريخ يحدد بموجب مرسوم حكومي ويرجع إلى التوقيت العادي طبق نفس الشروط) كما تنص على ذلك المادة الأولى من المرسوم الملكي.
إلا أننا فوجئنا بصدور مرسوم حكومي نهاية أكتوبر الماضي، بصورة استثنائية وفي اجتماع استثنائي لمجلس الحكومة، تجاوز السلطات المفوضة للحكومة في مجال الساعة القانونية، فقامت الحكومة بواسطة هذا المرسوم بتمديد التوقيت الرسمي للمملكة بصورة دائمة، حيث أنها لم تحدد المجال الزمني المؤقت لهذا الإجراء المحدد داخل سنة، مما جعل الحكومة عمليا تغير التوقيت القانوني للمغرب بصورة غير قانونية، أي قامت الحكومة عبر قانون أدنى “مرسوم”، بتغيير قانون أسمى “مرسوم ملكي بمثابة قانون”.
ومن جهة أخرى، لم تتجه الحكومة “إذا ارتأت أن ذلك يدخل في مجالها التنظيمي” إلى إعمال مقتضيات الفصل 73 من الدستور، والذي ينص على أن أي تغيير من حيث الشكل في نصوص تشريعية يستوجب موافقة المحكمة الدستورية إذا كان المضمون يدخل في اختصاص السلطة التنظيمية.
وأمام هذا العبث التنظيمي، ارتأينا تقديم اقتراح قانون لإلزام الحكومة بالتوقيت القانوني للمملكة الذي يوافق توقيت “جرينيتش”، أي حذف الساعة التي أضيفت من طرف الحكومة دون تحديد سقف زمني لذلك، ليس للدخول في خلاف مع الحكومة، ولا حتى للنيل من مطباتها التشريعية و القانونية، ولكن كبديل لإجراء بديل عن توقيت لم توفر له الحكومة البنيات والتجهيزات القادرة على استيعاب صعوباته، ومن أجل أطفال بالقرى يرتعشون بردا وهم يسيرون بين الحفر في ظلام دامس في اتجاه مدارس بعيدة عن دواوير وسكناهم، وكذلك لإيقاف إنهاك الإدارة المغربية بهذا الخليط في التوقيت الذي يعبث بحسن سير مرافق الدولة، وكذلك من أجل وقف التكلفة الطاقية الكبيرة لهذا التوقيت التي لمسها كل مواطن في فاتورته الكهربائية الخاصة.
انتظرنا كثيرا وعود الحكومة بمدنا بتقارير (من 8 مجلدات على حد تعبير وزير الوظيفة العمومية) كدراسات حول آثار اعتماد هذا التوقيت على حياة المواطنين، قبل أن نكتشف أن هذه الدراسة مجرد بعض من وريقات تتضمن الكثير من الإنشاء والقليل من التحليل.
إن الحكومة الراشدة هي التي تهتم بحسن حياة المواطنين، وهي التي تضمن عيشهم في مناخ زمنه وتوقيته يدبر بشكل حسن، أما التفكير في مصالح ما، أو في منافع غامضة للاقتصاد على حساب أبنائنا وأمهاتنا، فإن ذلك يجعل قرارات هذه الحكومة من شر ما ابتلي به المغاربة اقتصاديا وسياسيا وأمسى اليوم حتى توقيتا. فأصبح الجميع يتساءل، لماذا تتعمد هذه الحكومة بتشرذمها أن تنغص ما تبقى في يد المغاربة وهو النوم ساعة إضافية والتوجه إلى المدارس ومقرات العمل في جو أكثر أمنا؟ ألهذه الدرجة باتت تستكثر على المواطن الحق في العيش شبه الكريم؟