شهادات صادمة لضحايا نجوا من الموت بأعجوبة بسبب حوادث السير !
روبورتاج : حكيمة مومني
حرب الطرق، حولت حياة العديد من ضحاياه إلى جحيم حقيقي بسبب ما خلفه من عاهات مستديمة أصبحت كابوسا يوميا يؤرقهم . أشخاص فقدوا الأمل في الحياة بعدما تغيرت أمانيهم فجأة، ليستيقظوا على واقع مأساوي لم يكن في الحسبان.
هؤلاء الضحايا، لم يترددوا في البوح بما يخالجهم من معاناة يومية، بسبب حوادث سير كادت أن تودي بحياتهم لولا الألطاف الإلهية، ليكشفوا في حديثهم مع “جورنال أنفو” عن شهادات صادمة بعد نجاتهم بأعجوبة من موت محقق.
ابن رشد.. مستعجلات الموت !
لم يكن أمامنا في البداية، سوى التوجه إلى مستعجلات ابن رشد بالدار البيضاء أو مستعجلات الموت، حيث لا يمر يوم دون أن نصادف امرأة ثكلى تبكي على فقدان فلذة كبدها أو أحد أفراد عائلتها في حادثة مميتة.
مشاهد مؤلمة يندى لها الجبين من شدة قساوتها. بعض ضحايا حرب الطرق، أفلتوا بجلدهم من الهلاك بمشيئة القدر، لنجدهم محملين على أكتاف أقربائهم وثيابهم ملطخة بالدماء استعدادا لإجراء جهاز “سكانير” على أجسادهم التي كادت أن تتحول إلى أشلاء بسبب تهور سائقي السيارات والشاحنات. ولولا الألطاف الإلهية لوليت وجهتهم نحو مستودع الأموات بدلا من المستعجلات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ألقينا نظرة على ضحايا حوادث السير داخل “موريزكو” ، حيث يستقبل يوميا العشرات من ضحايا حرب الطرق، وافدين من المدن المحاذية للمدينة، كسطات وبرشيد، نظرا لخطورة إصاباتهم التي تعرضوا لها في حوادث مختلفة.
بعضهم يخرج من المستعجلات سالما، وبعضهم الآخر يرقد بين الحياة والموت داخل العناية المركزة بالمستشفى المحلي ابن رشد لتردي وضعيتهم الصحية.
سيارة تدهس سائق دراجة نارية وتلوذ بالفرار..
لمحنا بين العشرات من المرضى الذين وجدناهم داخل قسم المستعجلات، شابا في مقتبل العمر، كان يحمل آثار دماء كثيرة في رأسه، وهو ينتظر لساعات، إلى أن يحين دوره للخضوع إلى الفحص بالأشعة “سكانير”.
دام انتظاره طويلا، قبل أن يُسمح له بالدخول إلى قاعة “سكانير” المتواضعة لفحص إصابته الخطيرة التي تعرض لها بسبب حادثة سير، كادت أن تودي بحياته لولا الألطاف الإلهية.
يحكي هذا الشاب، وهو مُلقاة على ظهره في وضعية حرجة، أنه وبينما كان على متن دراجته النارية على مستوى شارع المهدي بنبركة بالبيضاء، باغتته سيارة كانت تسير حسبه بسرعة جنونية، لتصطدم به، تاركة وراءها الضحية مدرجا في دماءه، بينما حاول سائق السيارة اللوذ بالفرار بسبب مخالفته القانونية نتيجة سرعته القياسية داخل المدار الحضري.
وأضاف الشاب أن الشرطة تمكنت من إيقاف السائق بعد ساعة من وقوع الحادثة، بينما جرى نقله إلى المستعجلات على متن سيارة الإسعاف، لإصابته بنزيف حاد على مستوى الرأس، تطلب منه رتق الجروح الغائرة التي ألمت به.
وقال الشاب بنبرة غضب ” لا أريد تعويضا عن الحادثة، لكني أريد معاقبة سائق السيارة وإيداعه السجن، فما حدث معي، يمكن أن يحدث مع طفل بريء أو سيدة عجوز، ولولا مشيئة القدر لكنت الآن في عداد الموتى. مضيفا ” السرعة والتهور في السياقة، سببان رئيسيان وراء سقوط العشرات من الضحايا يوميا، وأتمنى من العدالة أن تقتص من السائق المتهم الذي كاد أن يحولني إلى جثة لولا إفلاتي من الموت ونجاتي بأعجوبة”.
سائق متهور يصطدم بسيدة كاد أن يحولها إلى أشلاء..
صادفنا سيدة وهي في الأربعينيات من عمرها، تنتظر بدورها طابور الانتظار، تحدثنا معها لنكتشف أنها ضحية حادثة سير أيضا. تحكي الضحية أنها تعرضت للحادثة على مستوى شارع محمد السادس بالبيضاء، حيث يشهد يوميا رواجا مكتظا بالسيارات والدراجات النارية عن آخره.
سألناها عن حالتها الصحية وما تعرضت له، لتحكي لنا بنبرة خوف وبكاء، أنها وبينما كانت تهم بقطع الطريق، باغتتها سيارة كان سائقها ينوي تجاوز شاحنة كانت تقف أمامه، ودون أن ينتبه إليها، صدمها بقوة. مسببا لها كسورا في رجلها اليمنى، ليتم نقلها على وجه السرعة إلى مستعجلات ابن رشد، بينما اقتيد السائق إلى الدائرة الأمنية بالمنطقة للتحقيق معه في ملابسات الحادثة..
“كنت أحلم أن أصبح نجما في كرة القدم لكن الحادثة حولت حياتي إلى كابوس…”
بمستشفى ابن رشد، وجدنا شابا يرقد في جناح قسم العظام، بعد تعرضه لحادثة سير كادت أن تنهي حياته على الفور.
يحكي هذا الشاب الذي رفض في البداية التحدث عن الموضوع لشدة تأثره بما حدث، “يحكي” أنه ضحية حادثة سير مميتة، تعرض لها فجأة، حين كان يهم بقطع طريق ولاد زيان بالبيضاء، أو ما يعرف بشارع الموت، حيث سُجلت في السنوات الأخيرة وفاة العشرات من المواطنين بسبب السرعة الجنونية لسائقي السيارات .
اسمه عبد الإله.م، طالب جامعي. كان قبل الفاجعة بلحظات، يستعد للتوجه إلى كلية ابن امسيك، عبر إحدى حافلات النقل. فجأة وبينما لمح اقتراب الحافلة، سارع نحوها دون أن ينتبه لسائق متهور، قال إنه كان يسير بسرعة جنونية ليصطدم به، حيث ترك الضحية مدرجا في دماءه فاقدا للوعي، بينما لاذ المتهم بالفرار نحو وجهة مجهولة. قيل إنه مغربي مقيم في الديار الأوروبية، وأن بعد ارتكابه الجريمة، لم يمكث في المغرب، هربا من العدالة.
شاء القدر أن يصاب الضحية بعاهة مستديمة بعدما بُترت رجله اليمنى، نُقل على إثرها مغمى عليه إلى مستعجلات ابن رشد، قبل أن يستفيق على هذه المأساة ويكتشف ما حل به، وهو الآن يتابع علاجه بقسم العظام بمستشفى ابن رشد، حيث مازال يخضع لحصص الترويض بعدما أصيب بكسور أيضا في رجله اليسرى.
وختم الشاب كلامه بنبرة مؤثرة قائلا : ” دوك الناس اللي تايرتاكبوا حوادث السير خاصهم يطلبوا السماح من ضحاياهم على الأقل اللي تسببوا ليهم في الإعاقة”. مضيفا والدموع تنهمر على خديه، ” حياتي تغيرت وانقلب رأسا على عقب، كنت أطمح أن أصبح لاعب كرة قدم، بحكم موهبتي التي أمارسها تزامنا مع الدراسة، إلا أنه حلم بات مستحيلا، ولم يعد بمقدوري حتى البحث عن عمل، مادمت عاجزا عن المشي”.
ضحية انقلاب حافلة بمراكش تروي الفاجعة..
يتعلق الأمر بسيدة خمسينية، وهي أم لثلاثة أبناء. تحكي أنها تعرضت قبل سنتين، لحادث انقلاب حافلة صغيرة لنقل الركاب، كانت على متنها إلى جانب 17 شخصا، وذلك على مستوى طريق السيار الرابطة بين مدينتي سطات ومراكش.
مازال هذا الكابوس يُراود الضحية حتى في اليقظة، كلما تذكرت الحادثة التي كادت أن تتسبب في مقتل العشرات. تحكي أن انفجار عجلات الحافلة، تسبب في انقلابها مرات عدة، كادت أن تخلف حصيلة ثقيلة في الأرواح لولا الألطاف الالهية.
وأضافت قائلة ” خلف الحادث حالة استنفار قصوى في صفوف المصالح الأمنية التي حلت إلى عين المكان، بينما أفلتت بجلدها ولم تتعرض لأي أذى. مشيرة إلى أن ثلاث نسوة كن على متن نفس الحافلة، تعرضن لجروح خطيرة، حيث نقلن على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بمستشفى الحسن الثاني. قبل أن يقرر الطاقم الطبي لنقلهن صوب مستشفى ابن رشد بالبيضاء، لغياب جهاز “سكانير”. فيما فتحت فيه عناصر الدرك الملكي تحقيقا في الموضوع استمعت من خلاله لإفادات الضحايا.
وأردفت المتحدثة قائلة : ” رأيت نفسي أقرب إلى الموت، حين انقلبت الحافلة بنا مرات عديدة، صراخ الركاب واستشهادهم، مازال يحفر ذاكرتي، بل وأنام وأستيقظ على صراخهم، لدرجة أنني عرضت نفسي على طبيب نفساني للخروج من الأزمة، إلا أنني لم أتمكن من ذلك”.
وحول مصير ثلاث النسوة ضحايا الحادثة، قالت إن الأطر الطبية بسطات، قررت في البداية نقلهن إلى مستعجلات ابن رشد، لعدم توفرها على جهاز “سكانير” ونظرا لخطورة حالتهن الصحية، رقدن لأسابيع تحت العناية المركزة بالمستشفى بالبيضاء.
أسر تعيش مأساة فقدان ذويهم..
من منا لا يتذكر حادث تيشكا الشهير، الذي وقع قبل سنتين من الآن في منطقة تورجدال (قيادة إغرم نوكدال) التي تبعد بحوالي 45 كلم عن ورزازات، حاصدا ثمانية قتلى، و21 جريحا، ضمنهم تسعة أشخاص أصيبوا بجروح بليغة.
وقد وقعت الحادثة إثر انقلاب حافلة لنقل المسافرين تربط بين مدينتي ورزازات ومكناس في أحد المنعرجات الطرقية، مما أدى إلى وفاة 8 ضحايا، فيما توفي الضحية التاسع أثناء نقله صوب مستشفى سيدي احساين بورزازات.
ظلت أسر هؤلاء الضحايا، تعيش مأساة حقيقية، أقل ما يمكن وصفها بالجحيم اليومي. تاركين وراءهم نساء أرامل، يواجهن تكاليف الحياة الصعبة دون أي مُعيل.
إحدى زوجات الضحايا الذين توفوا في الحادث الأليم، أما لأربعة أطفال. ظلت لسنوات تنتقل رفقة أبناءها من بيت لآخر، لعدم إمكانية توفيرها لمأوى، ما جعلها تعيش بدون مسكن خاص بها، اللهم إذا جاد بعض الجيران وبادروا باحتضانها لأيام، في انتظار أن تتوصل بتعويضات الزوج المتوفى في الحادثة.
وتبقى هذه السيدة الأرملة، نموذجا مصغرا لعدد من الأرامل والأسر التي ظلت تعيش دون معيل، بعدما فقدت ذويها في حوادث سير مميتة، لتواجه قساوة الحياة بمفردها دون أي سند.
حوادث، مازالت تحصد أرواح المئات من الأشخاص سنويا، أمام التهور وعدم احترام السرعة القانونية وعلامات الوقوف، وغيرها من القوانين التي عجرت بدورها عن إيقاف نزيف هذه المعضلة التي تحولت إلى ظاهرة مخيفة، أمام تزايد وفيات حرب الطرق في السنوات الأخيرة.