النموذج التنموي الوطني الجديد : أسئلة ملحة
جورنال أنفو
أكد الملك محمد السادس، في خطابه إلى الأمة بمناسبة الذكرى العشرين لاعتلائه العرش:” إن تجديد النموذج التنموي الوطني، ليس غاية في حد ذاته وانما للمرحلة الجديدة، التي نريد، بعون الله وتوفيقه، أن نقود المغرب لدخولها. مرحلة جديدة قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل……..””.
وأضاف الملك في الخطاب ذاته:”” وإلى جانب الدور الهام، الذي يجب أن تقوم به مختلف المؤسسات الوطنية ، أريد هنا، أن أؤكد على ضرورة انخراط المواطن المغربي، باعتباره من أهم الفاعلين في إنجاح هذه المرحلة ….””.
بالعودة للخطاب الملكي، يبدو اليوم ، أن هناك رؤية واضحة ستضع المغرب على سكة تجاوز مختلف الاختلالات التي عرفها النموذج التنموي، إذ لم يعد مقبولا أن نردد بشكل جماعي عن عدم قدرة النموذج التنموي على تحقيق أهدافه، خاصة منها الإقلاع الاقتصادي والتنموي.
فأي نموذج تنموي نريد؟
النموذج التنموي كما عرفه الدكتور عبدالله شنفار “” هو نظام أو آلية لإنتاج وخلق وتحقيق الثروة وتوزيعها وتوزيع مصادرها بشكل عادل على المعنيين بها على الصعيد الوطني والجهوي والاقليمي والمحلي، دون إقصاء أو تهميش للجماعات والأفراد أو المناطق والجهات””.
ودائما حسب الاستاذ عبدالله شنفار “فالنموذج التنموي يعني مجموعة عمليات محدودة في الزمان والمكان في إطار محيط سوسيو اقتصادي، يستهدف هدفا معينا في جدلية اعتماد متبادل بين الفكر والواقع. وهذه العمليات تسير حسب متوالية حسابية وهندسية متوازية في التغذية الراجعة تنطلق من العناصر والمحددات التالية :
أولا: رسم فكرة للمشروع أو النموذج التنموي البديل المراد إنجازه، وهي عملية مفاضلة بين عدة سياسات وخيارات مطروحة، والتي تتوقف على اختيار واحد من بين هذه الخيارات والبدائل والتي تعتمد عدة معايير:
• تحليل الحاجيات ومتطلبات النموذج التنموي،
• المجموعات أو المناطق المستهدفة به؛
• عملية اختيار بين عدة متغيرات تقنية، مالية، مؤقتة …؛
• إمكانيات عوامل الانتاج،
• عملية تقييم أولية لنتائج وآثار النموذج التنموي المراد إنجازه؛
• صياغة ذلك في إطار خطة تدقق المراحل اللاحقة؛
ثانيا: بلورة الفكرة حول النموذج التنموي بطريقة أكثر تفصيلا من خلال:
• مظاهر النموذج التنموي: وتعني الأهداف والنتائج المتوخاة وطبيعة الأشغال
• مظاهر التمويل: تكلفة النموذج التنموي ، وطريقة تمويله
• مظاهر التنفيذ: مذكرة حول توقعات الإنفاق والمصاريف.
ثالثا: التحليل والدراسة النموذج التنموي، وهي:
• مجموعة عمليات تتخلل مراحل النموذج التنموي، وهي إما دراسة أولية أو دراسة انحرافية، وتعتمد التحليل التقني، النقدي، المالي، الاقتصادي، وكلها تحاليل ودراسات في علاقة جدلية.
رابعا: اتخاذ قرار تبني النموذج التنموي: وهي مرحلة حاسمة في مصير اللجوء والإقدام على الاستثمار، بناء على توفر المعلومات الكافية حول المشروع وهنا تأخذ إما:
• مسار المصادقة النهائية اقتناعا بأهمية المشروع.
• طلب مزيد من الدراسة التكميلية حول المشاريع المضمنة بالنموذج التنموي، نظرا لعدم اتضاح الرؤية جيدا.
• التخلي عن المشروع لأسباب عدم مردوديته، قلة الإمكانات والمتاح أو معارضة الأغلبية للمشروع الى غير ذلك من العراقيل.
خامسا: الشروع في التنفيذ: بمجرد المصادقة واتخاذ قرار الاستثمار يشرع في انطلاق المشروع وخروجه إلى حيز التطبيق.
سادسا: التتبع: تنفيذ النموذج التنموي يتخلل مراحله نسق من التتبع من رقابة وتسجيل مدى التقدم الحاصل فيه.
سابعا: نهاية المشروع تعني انخراطه ضمن المشاريع الموجودة أو في استقلاليته لكونه حديث النشأة، وهنا لازال يتطلب الامر مزيدا من الحدر كون النموذج التنموي في بداياته الأولى.
ثامنا: التقييم اللاحق للنموذج التنموي: تقييم لدرجة النجاح أو الفشل، مواطن الضعف والقوة في مراحل تنفيذ المشاريع المتضمنة به لاستنتاج الدروس والحكمة في مشاريع مستقبلية.
وإذا كانت الدعوة اليوم لتجديد النموذج التنموي الوطني لا تخرج طبعا عن الشروط العامة التي تندرج فيها، مؤسساتيا، وسياسيا، وبشريا، وثقافيا.. يتساءل الباحث عبد المطلب أعميار: كيف لنا إذن أن نتطلع لتشييد نموذج جديد، بنفس النخب السائدة التي تتحمل قسطا وافرا من المسؤولية التدبيرية المباشرة، أو غير المباشرة ، ومنها على وجه الخصوص، تلك التي حولت السياسة لمجال يختص باستغلال الدين في السياسة خدمة لأجندات تتعارض مع مقومات الاختيار الديمقراطي مدعومة في ذلك بمختلف أذرعها الدعوية والايديولوجية، أو تلك التي حولتها لوكالات تجارية وعقارية، ولرأسمال مقاولاتي وانتخابي، ونجحت في تمييع الحقل الحزبي ، فأضحى بدون روح، وبدون فكر، ولاثقافة، ولانظرية، ولا قضية.
وفحسب الدكتور عبد المطلب أعميار ، رغم إن الجائحة اليوم تضرب بقوة، فانها قد” نجحت” في خلق رجات متعددة، مست كل مناحي الحياة. وشكل موضوعا خصبا سمح بتناول العديد من الإشكالات والقضايا في أبعادها الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، والدينية، والقيمية، والسلوكية..فكتب الباحثون والمهتمون ، ورجالات الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة عن هذه اللحظة مثلما لم يفعلوا من قبل. فهاهم يكتبون عن المجتمع، والدولة، وحقوق الإنسان، والسلطة، والتنمية، والديمقراطية ، والدستور، والعدالة الاجتماعية، والدين، والأخلاق، والقيم، والتضامن….كما يكتبون عن مستقبل الرأسمالية، وقضايا الدولة الوطنية، وواقع العولمة، ومسألة الحدود ، وآفاق العلاقات الدولية، ومستقبل الاقتصاد العالمي، ومنهم من كتب، ويكتب عن مستقبل السياسة في المغرب في ظل كل الانعكاسات المحتملة لهذا الوباء، متطلعا لتشييد نموذج سياسي قادر على مواكبة كل الأوراش الوطنية الكبرى.
إننا اليوم بحاجة إلى صياغة نموذج تنموي وطني جديد باتت ملحة، نظرا لمجموعة من الأعطاب والقصور التي عانى منه النموذج المعتمد، ويمكن تلخيصها في ما يلي :
_ نموذج اقتصادي منهك، من أبرز مظاهر الانتهاك على مستوى النمو المتدنية التي يحققها الاقتصاد الوطني والتي ستتأثر أكثر بالجائحة؛
_ نموذج اجتماعي لم يواجه الفوارق السوسيو_إقتصادية فالبرغم من النمو السريع نسبيا المسجل في العقد الأول من الألفية لم ينعكس ذلك إلا بأثر ضعيف على غالبية الساكنة مع توزيع غير عادل بين الطبقات السوسيو_إقتصادية للثروات المحدثة؛
_ نموذج تنموي مختل، تعاني منه الخدمات العمومية من جودة متدنية في بطء القرارات والمسارات الإدارية في تناقض صارخ مع سرعة التطورات الاجتماعية ، في المقابل الإدارة العمومية بالمغرب تعاني من نقاط ضعف تعليق تنفيذ السياسات المقررة على أعلى مستوى اضافة الى غموض المشاكل وتشعبها؛
ومما يؤكد على تهالك نموذجنا التنموي ما أقره جلالة الملك حيث قال “” إذا كان المغرب قد حقق تقدما ملموسا، يشهد به العالم، إلا أن النموذج التنموي الوطني أصبح اليوم، غير قادر على الاستجابة للمطالب الملحة، والحاجيات المتزايدة للمواطنين، وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية، وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية…””.
عبدالاله طلوع/ باحث في سلك الدكتوراه جامعة الحسن الأول سطات