التقاضي عن بعد.. تجربة رائدة في منظومة العدالة الوطنية
أبرز المشاركون في أعمال ندوة وطنية حول موضوع “التقاضي عن بعد وضمانات المحاكمة العادلة”، نظمتها وزارة العدل، أمس الثلاثاء بالرباط، بشراكة وتعاون مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن اعتماد المحاكمة عن بعد على مدار سنة شكل تجربة رائدة في أفق تطوير منظومة العدالة بالمغرب.
وقال وزير العدل، محمد بن عبد القادر، في كلمة بالمناسبة، إن تنظيم هذه الندوة، يأتي من أجل القيام بوقفة تأمل حقيقية لتقييم تجربة رائدة وواعدة عرفتها منظومة العدالة بالمملكة، وذلك بعد مرور سنة كاملة على إطلاق تجربة المحاكمة عن بعد منذ تاريخ 27 أبريل 2020، مشيرا إلى أن هذا التاريخ يرمز بالنسبة لمنظومة العدالة إلى التحدي والعزم ، والحرص على كسب الرهانات والتحديات التي فرضتها ظروف الجائحة.
وأشار في هذا الإطار إلى أن اعتماد المحاكمة عن بعد، من خلال اللجوء إلى تقنية المناظرة المرئية كان قرارا مشتركا لوزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، مضيفا أن الوزارة بادرت في إطار الاختصاصات الموكولة إليها قانونا إلى توفير الإمكانيات اللوجستيكية والتقنية والبشرية، والقيام بدور التنسيق مع كل المتدخلين وتوفير الظروف المناسبة لها.
واعتبارا لطبيعة المعلومات التي يتم تداولها أثناء المحاكمة، سواء من حيث حساسيتها أو طبيعتها، أكد بن عبد القادر ، أنه تم اعتماد النظام السمعي البصري الداخلي المؤمن الخاص بوزارة العدل، وإعطاء الأولوية البالغة للأمن المعلومياتي، وذلك من خلال احترام كافة التوجيهات الصادرة عن مديرية أمن نظم المعلومات بإدارة الدفاع الوطني لضمان حماية وأمن النظام السمعي البصري المستعمل. ومن جانبه، أكد السيد محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن تجربة التقاضي عن بعد التي فرضتها جائحة كوفيد-19، وما رافقها من جهود مبذولة من قبل وزارة العدل والمندوبية العامة للسجون إلى جانب قضاة المحاكم والنيابة العامة وموظفي العدل وأعضاء هيئات الدفاع، مكنت المحاكم، في غضون سنة، من عقد ما يزيد عن 19 ألف جلسة عن بعد ، درست فيها أكثر من 370 ألف قضية تهم معتقلين، مشيرا إلى أن هؤلاء مثلوا أمام المحكمة بهذه الطريقة أكثر من 433 ألف مرة.
وأضاف أن المحاكم تمكنت من البت عن بعد في أكثر من 133 ألف قضية ترتب عن بعضها الإفراج عن مجموعة من المعتقلين ناهز عددهم 12 ألف معتقل تمكنوا من معانقة الحرية مباشرة بعد النطق بالحكم بمعدل ألف في كل شهر.
ولفت الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى أن “انتظار صدور قانون ينظم المحاكمات الافتراضية يظل أملا جميلا يراود كل الممارسين والمهتمين بشأن العدالة”، معربا عن تطلعه إلى صدور هذا القانون في أسرع وقت، حتى تتوفر البلاد على الآلية القانونية المناسبة التي تسمح بإجراء المحاكمات عن بعد، في الفترة اللاحقة لكوفيد-19. وأشار إلى أن ظروفا أخرى تبرر ذلك، من بينها حماية الشهود والمبلغين، وبعد المؤسسات السجنية عن بنايات المحاكم مما يتطلب وقتا طويلا ومصاريف باهظة للتنقل، فضلا عن أعداد من موظفي الخفر، خاصة وأن حوالي 800 معتقل يمثلون يوميا أمام محاكم الرباط وأكثر من 1200 يمثلون كل يوم أمام محاكم الدار البيضاء.
ومن جهته، وصف مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورئيس النيابة العامة، تجربة التقاضي عن بعد، التي خاضتها المحاكم الوطنية على مدار عام كامل، في ظل إكراهات الجائحة بـ “الناجحة”، لكونها مكنت من ضمان استمرار سير العمل بالمحاكم بشكل عاد والقيام بمهامها الدستورية، تكريسا للحق في محاكمة عادلة داخل آجال معقولة، وذلك ﻓﻲ إﻃﺎر اﻟﺘﺪاﺑﻴﺮ اﻻﺣﺘﺮازﻳﺔ المتخذة لمواجهة تداعيات وباء كوفيد-19 المستجد.
وذكر في هذا الصدد بأن اعتماد تقنية المحاكمة عن بعد، جرى وفقا لما هو معمول به في العديد من تشريعات الدول قبل ظهور وباء كورونا المستجد، فضلا عن كون اعتماد المحاكمة عن بعد لها مرجعياتها في العديد من المواثيق الدولية التي تعنى بالتصدي للجريمة ومنها: اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 في مادتها 18 ، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003.
واعتبر أن تفعيل التقاضي عن بعد في هذه المرحلة الاستثنائية والتي فرضت تحديات قانونية وحقوقية، يعد مسألة ضرورية وسابقة في مسار منظومة العدالة في البلاد، حيث مكنت هذه التجربة من تدبير مرفق القضاء ب”حكامة جيدة ونجاعة”، من خلال تفادي انتشار عدوى فيروس كورونا المستجد والحفاظ على الصحة والسلامة لكل المرتفقين وذلك انسجاما مع التدابير والإجراءات الأخرى المتخذة من طرف السلطات المعنية للحد من انتشار هذا الوباء، كما مكنت في نفس الوقت من صون ضمانات المحاكمة العادلة داخل آجال معقولة، حيث تم منذ بداية العمل بها في 27 أبريل 2020 إلى غاية 16 أبريل 2021، عقد 19139 جلسة عن بعد، أدرجت فيها 370067 قضية، استفاد منها 433323 معتقلا، وأفضت إلى الإفراج عن 11748 منهم، مؤكدا أنه لولا اعتماد هذه التقنية لما تمت محاكمتهم ولظلوا قيد الاعتقال.