كواليس رحلة شباط إلى تركيا وألمانيا والشجرة التي تخفي الغابة!
بقلم : رشيد فاضيلي
في الوقت الذي عرفت العلاقات بين المغرب من جهة وتركيا وألمانيا من جهة أخرى خلافات عميقة وكبيرة جدا، حول الأزمة الليبية مما دفع المغرب لرفض حضور مؤتمر برلين ورفض أن تكون ليبيا أصلا تجاريا، وفي سياق أزمة غير مسبوقة مع ألمانيا التي تؤوي متهمين بالإرهاب يهاجمون المغرب ورموزه وتكتل المغاربة في صف موقف الدولة من ذلك، فضل بعض السياسيين أمثال حميد شباط الترنح بين هاتين الدولتين في رحلات تثير أكثر من علامة استفهام على شباط أن يجيب عنها.
منطق المؤامرة لا يمكن استبعاده في السياسة، ما دام العمل السياسي لا يستقطب ذوي النيات الحسنة فحسب، بقدر ما هو مجال مفتوح للتدافع بين مختلف التعبيرات عن المصالح والتوجهات المتضاربة، وتواجد المفسدين الوصوليين والانتهازيين داخل الأحزاب والنقابات وغيرها من التنظيمات يمكن أن يجر على المجتمع الويلات وأن يهدد الاستقرار.
طيبوبة المغاربة الذين جبلوا على التمسك بقيم العيش المشترك، وإيمانهم ب”الملح والطعام” كمحدد للتعامل بـ”النية” واستبعاد الغدر والخديعة في ما بينهم جعلهم لا يستحضرون فرضية تآمر جهة أو شخص ما على جماعة/ مجموعة أو منطقة أو حتى على الوطن.
ليس أكثر من عقد من الزمن، كانت بعض الأصابع تشير إلى إلياس العماري، قائد حزب الأصالة والمعاصرة سابقا، متهمة إياه بأنه مهندس مخيم “اكديم إزيك” بمدينة العيون، والذي وإن اعتبر البعض توظيفه أي المخيم من أجل القضاء على نفوذ آل الرشيد في رسم الخريطة الإنتخابية في الصحراء المغربية، إلا أنه فتح باب الاحتمالات في وجود مؤامرة مع أطراف خارجية للإضرار بالوطن لتزامنه مع الشرارات الأولى “للربيع العربي” التي انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي.
وهناك نماذج من السياسيين الشعبويين الذين يجب وضعهم في خانة الحيطة والحذر حتى يثبت العكس، لأن مزاجهم المتقلب وشعبويتهم التي تصل حد التخمة، حين ينضافان إلى جنون العظمة الذي يتملكهم حين الوصول إلى القمة، قد يؤدي بهم إلى وضع معادلة “أنا ومن بعدي الطوفان” عقيدة في عملهم الحزبي والسياسي.
على هذا الأساس نتساءل عن رحلة الشتاء والصيف التي قادت حميد شباط الأمين العام السابق لحزب الإستقلال، هاربا إلى تركيا وألمانيا لما يزيد عن السنتين وبضعة أشهر بعد أن تهاوت أحلام نزواته الشعبوية؟ ماذا كان يفعل هناك؟ هل للتداوي كما قال هو نفسه أم أن مسألة استشفائه ما هي إلا شجرة تخفي من وراءها الغابة؟
ولأن التآمر قد يتخذ لبوسا مختلفا قد يكون سياسيا أو اقتصاديا أو غيرهما، فإن طول المدة التي قضاها حميد شباط بالديار التركية يقود إلى طرح احتمال نسجه لعلاقات مع اللوبيات والكارتيلات المالية والاقتصادية التركية، ويقود أيضا إلى التساؤل عن كم المعلومات الدقيقة التي قد يكون عمدة فاس السابق زود بها الأتراك، وما هي الوظيفة التي أوكلوها له؟
لا يخفى طبعا انفجار الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وألمانيا حول مواقف هذه الأخيرة من قضية وحدتنا الترابية، وذلك بعد فترة وجيزة من عودة حميد شباط من رحلته بين بلادَيْ الأتراك والألمان. فهل كان للرجل دخل في المسألة انطلاقا من وجود تنسيق تتناغم بين أنقرة وبرلين في ما يخص القضية الليبية وقضايا إقليمية يتقاسمان فيها المصالح؟
مرد فرضية تآمر حميد شباط على مصالح بلاده التي قد تكون لأهداف سياسية أو اقتصادية، يعود بالأساس إلى الطبيعة الشعبوية التي تلازمه، ما دام الشعبوي حين يرغب في أن يكون براغماتيا فإنه قد لا يعرف حدودا للخيانة، أو لنقل بشكل أقل حدة، الإساءة إلى البلاد أو إلى قوة من قواها الحية. وهنا نستحضر الأزمة التي فجرها شباط بين الرباط ونواكشوط.
ليس حميد شباط وحده بيننا من تحوم حولهم شبهات التآمر على مصالح المغرب والمغاربة، فالتاريخ مليئ بِسِيَر أشخاص وصلوا إلى المجد على أكتاف الفقراء والبؤساء بدغدغة مشاعرهم، لكنهم في الأخير خانوا ثقتهم وأضروا بمصالح بلدانهم بعد أن تآمروا مع جهات خارجية.