التعليم : إصلاح الأزمة بأزمة”
بقلم أستاذ الفلسفة :حميد الشرقاوي
من الواضح أن واقع التعليم بالمغرب لا يخفى عن الكبير والصغير، على شفا كل جماعة وموضوع يشغل بال أي كان وقضية نقاش دائم ومتواصل ومتكرر، عنوانها ” الأستاذ المتعاقد#الأستاذ الذي فرض عليه التعاقد” .
لهذا كان لزاما علينا أن نلتف للقلم، لكتابة ما قد يمليه القلب ويخفيه عقل السياسي لفضح الحقائق والكشف عن المستور.
لعب الإعلام السمعي والبصري دور المساند الرسمي لتغليط الشعب المغربي وتضليله وتمويهه و خلق صورة معكوسة وحجب النظر وقلب الموازين لصالح من بيده القرار أو لنقل لصالح من لا قرار له.
قيل إن الأستاذ لم يعد متعاقدا، بعد تخلي الوزارة عن مشروع التعاقد (التخلي عن مشروع _ مفهوم التعاقد) وإنما موظف بالأكاديمية الجهوية (أي توظيف جهوي) بإزالة التعاقد، و كرد على هذا القول: ليس بمقدور الدولة المغربية أن توظف جهويا. لماذا؟ الجهوية تبتغي قطع أشواط كبيرة ومهمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وإداريا و ذاتيا.. أما المغرب فمازال يتدرب، يتربى تحت رعاية المستعمر الفرنسي ولايمكنه أن يتخد الجهوية مصيرا إلا بالاستقلال الإداري كنقطة أولى.
كيف لبلد أريد له التعاقد أن يجعل التعاقد خيار استراتيجي وشعار رنان يسطع في سماء وزارة التربية الوطنية كخيار للإصلاح؟ ألا يمكن القول أن التعاقد هو خطأ، أزمة ضمن أزمة أريد لها البقاء للقضاء على المدرسة العمومية؟ كيف يعقل الحديث عن المردودية والجودة في ظل عدم الاستقرار الوظيفي الذي يؤدي لعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي؟ كيف يعقل الحديث عن توظيف عمومي جهوي و بيع خدمات الأكاديمية كمؤسسة عمومية ؟ فإذا كان التوظيف بالعقدة خيار استراتيجي للدولة لماذا تم التراجع عنه في التعديلات الخاصة بالنظام الأساسي لموظفي الأكاديمية؟! إذا كان التوظيف بالعقدة خيار استراتيجي (على المدى البعيد) لماذا لا ندمج الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية في النظام القديم (الوزاري) ونؤجل خطوة التوظيف الجهوي حتى نحضر الشروط والسياقات السياسية والاقتصادية والمالية والذاتية التي تجعل التوظيف الجهوي ضرورة تاريخية، أنذاك يكون كل الأساتذة بدون استثناء ضمن نظام موحد يشمل الكل.
لا أظن أن نية الوزارة الوصية تقصد الصلاح بقدرما تراوغ عنه، فمصير ما نرى واضح مفاده :” خوصصة التعليم”
_ تلميذ ينتظر الأسرة إلى أن توفر شروط التسجيل سنويا.
_ الأب حائر : من جهة أبناؤه كثر وحاجياتهم تخنق وواجباتهم الدراسية ترهق، ومن جهة ثانية، واجبه اتجاه أسرته هذا إذ لم يكن متزوج لأكثر من زوجة.. فما عليه سوى الانتحار، فهل موقف الإسلام من الانتحار سيتغير مادام الحزب الحاكم ” إسلامي”.؟
لا يمكن أن تتطرق لهذا الموضوع دون وضع السؤال، لماذا؟ لأن التعاقد يخلق السؤال. أولا، ما مصير الأستاذ؟ جواب وزارة التربية: العقدة تتجدد اوتوماتيكيا. سؤال: ولماذا هذا التجديد دوما؟ الجواب: نظرا لأن بعض الأساتذة لا يقومون بمهامهم على أتم وجه. سؤال: وهل في نظركم المردودية والجودة تقاس بالتعاقد؟ لا وجود للجواب.. فقط هناك تراوغ ودخول وخروج في الموضوع.
هذه أولى المحاورات انتهت بالفشل. ثانيا، سمعنا أن التوظيف الجهوي يروم إلى خوصصة التعليم والتخلي عن المجانية؟ جواب الوزارة الوصية: لايمكن التخلي عن مجانية التعليم، المدرسة العمومية أساسية وندافع من أجلها نظرا لما تخلفه سنويا من نجاح ونحن لنا الثقة التامة في البنية التربوية للرفع من المردودية والجودة.. سؤال: إذا كنتم تدافعون عن المدرسة العمومية، لماذا لا تدرسون أبناءكم فيها؟ لماذا المدارس الفرنسية والكندية والأمريكية؟ لا وجود للجواب،أو أأنتم هم نحن!؟ ! ومن هنا نسألهم عن الحس الوطني وعن حب الوطن، فالوطن مواقف، مشاريع لصالحه، دم ونسل منه وإليه، ليس خرجات إعلامية يفوح منها عطر المستعمر و يغني صاحبها بلحن مجهول وبكلمات مغربية وبسمفونية فرنسية. ألا إنه كشكول لم يراد له البيان.
لهذا، فمخطط التعاقد في المنظومة التربوية المغربية مخطط فاشل، إنه مخطط خطط له بالفشل لأن من ورائه لوبيات فساد حقيرة. ومن بين تمظهرات الفشل؛ عدد الأساتذة في الشوارع الذي يفوق 55000 أستاذ بغض النظر عن الأساتذة الذين يتدربون في المراكز الجهوية. خروج لم يرقى لتطلعات الوزارة الوصية في مشروع الجهوية والخوصصة… خروج راقي بإضراب غير محدد المدى. وهذه نقطة أساسية يجب الوقوف عن حدودها.
لنأخذ موقف الوزارة الوصية عن القطاع :” الإضراب يكون في يوم _ يومين _ثلاثة ” أما إضراب هاد الناس هو إضراب جماعي دعت له تنسيقيتهم”. أولا، لنضع النقط على الحروف ونفكك القول كلمة كلمة؛
1. ” الإضراب في يوم أو.. ثلاثة، لنذكر سيادتكم أن الدستور المغربي يقر بأن الإضراب حق دستوري ولم يحدد له زمنا.
2. ” إضراب هاد الناس” : هو إضراب أساتذة فرض عليهم التعاقد، لهم الصفة ( وهذا المفهوم أساسي وله صبغة قانونية والصفة ضرورية للمطالبة بالحقوق وتأدية الواجبات).
3. إضراب جماعي: وهذا اعتراف في ظل وجود إحصائيات كاذبة تروج لنسبة المضربين على العمل بنسب 14%..65%..94%..96% ولكل ندوة أو لقاء تلفزيوني أو.. نسبتها الخاصة التي قد توهم و تغلط الرأي العام. هذا وبغض النظر عن العنف الذي شرع له في حق الأساتذة من طرف الشرطة المسلحة بالدراجات النارية والكلاب المدربة… وجعلوا من هذا العنف (عنف متبادل ويروج لنسب عديدة من الجرحى والمصابين من رجال الشرطة)، وكأنهم أعلنوا عن حرب باردة تقام على ورق مصنوع بعرق الأساتذة.. وماهي سوى أكاذيب لتغليط الرأي العام. لهذا نقول ” أن البلد الذي لا يحترم نفسه، لا يمكنه أن يحترم أي كان”.
من المعلوم أن تقدم أي بلد يقاس بمدى التقدم العلمي والفكري فيه لا بمدى الفساد واحتكار الثروات الرمزية للبلد. نعلم أن واقع التعليم بالمغرب وراءه سياسة احتكار و تضليل وإعادة إنتاج نفس قوى المجتمع _ نفس العلاقات الاجتماعية، زد على ذلك علمنا بأن المخططات التي تسري في المدرسة العمومية قناع لسياسة رأسمالية للبورجوازيون الجدد… وهذا الأمر يفهمه السياسي ويراوغ عن مناقشته.. ليترك جانب الماكرو ويناقش الميكرو قائلا: يجب استحضار التلاميذ عند القيام بخطوة الإضرابات المتكررة، على أساس أن الأساتذة تتحمل مسؤولية ضياع التلميذ.. وهذه نقطة خطيرة تستدعي الوقوف عندها؛ أولا، ضياع التلميذ يكون داخل الفصل أكثر من خارجه. لماذا؟ لأن المناهج التعليمية والمقررات التعليمية.. لا تصلح إعوجاج التلميذ، بل تزيد من حدة الإعوجاج،إنها تصنع عقول تمارينية لا تستطيع التفكير والتحليل وإبداء الرأي، فما نراه اليوم من خلال عجز المثقف على النقد والسؤال وإبداء الرأي في القضايا التي نعيشها هو نفسه الأمر مع التلميذ، وفاقد الشيء لا يعطيه.
ملحوظة : الحياد لا مكان له، لأن القضية وطنية وذاتية.