“مول المجمر”.. قصة عازف الناي الذي حوله ضريحه إلى أسطورة
آلاف من الزوار يأتون من كل حدب وصوب لزيارة الضريح الشهير بشاطئ عين الذئاب بمدينة الدار البيضاء تبركا بولي صالح اسمه سيدي عبد الرحمان بن الجيلالي المعروف لدى البيضاويين بـ “الجمار” أو “مول المجمر”، حيث دُفنت رُفاته منذ آلاف السنين، لكن لا أحد يعلم عنه شيئا سوى أساطير وروايات متناثرة يتداولها الناس فيما بينهم.
لا يمكن ألا تثير فضولك تلك القبة الخضراء التي تعلو الضريح في اكتشاف ما تخفيه من أسرار، رغم أن المحيطين به يجهلون ماضي تلك القبة ولا حتى كيف أو متى بُنيت، ومن هو هذا الشخص المدفون بداخلها الذي حوله التاريخ إلى أسطورة.. أسئلة عديدة طرحها موقع “جورنال أنفو” على مجموعة من المهتمين، بينهم مواطنين وباحثين داخل جمعيات تعنى بذاكرة المدينة..
في قلب الضريح
داخل هذا الضريح وجدنا غرفا ضيقة أشبه ببيوت خلية النحل، حيث يمارس الكهنة المشعوذون طلاميس سحرهم بكل أشكاله. لمحنا ونحن نتجول في هذا المكان، إحدى “الشوافات” وهي تستخدم معدن الرصاص أو”اللدون” لإبطال مفعول المصابين بالسحر، إذ تخضع زبونها للتبخر بمائه سبع مرات، قبل أن يغتسل به في “الخلوة” أو أن يهدي “الذبيحة” قربانا للجن ولروح الولي.. وغيرها من العادات التي جعلت من هذا الفضاء مرتعا لمثل هاته الممارسات.
قد يفاجئك الأمر حين تكتشف أن قبر سيدي عبد الرحمان يتواجد داخل حجرة مظلمة وموصدة لا أحد يدخل إليها أمام بابها الحديدي الذي تعلوه نافذة صغيرة يصعب من خلالها رؤيته، فترى الزوار يكتفون فقط بإدخال أيديهم لرش ماء “الزهر” على قبره وهم يتلون عليه صلواتهم تبركا منه. أما خارج هاته الحجرة، هناك قبر مجاور له وهو لسيدة تدعى “لالة زهراء”.. قيل إنها جارية كانت تخدم الولي سيدي عبد الرحمان، ليتم دفنها لاحقا بالقرب منه.
في المقابل تتحدث بعض المعطيات الأخرى أن قبر سيدي عبد الرحمان غير موجود في المنطقة التي يقصدها الزوار، وهي أقاويل كذبها مجموعة من شيوخ المنطقة بحكم توفرهم على المعلومات والمعطيات التاريخية حول الموضوع.
من هو سيدي عبد الرحمان؟
نقلا عن كتاب “الأولياء في المغرب” لصاحبه الباحث محمد جنبوبي، فإن سيدي عبد الرحمان أصله من العاصمة العراقية بغداد، عاش في القرن السادس الهجري، وهو من معاصري شيوخ التصوف الأوائل في المغرب، من بينهم أبو شعيب السارية ومولاي عبد الله أمغار وعبد الجليل بن ويحلان وغيرهم.
اشتهر “مول المجمر” كما يلقبه المغاربة، بكثرة تنقله بين عدة أماكن من الساحل الممتد بين عين السبع وعين الذئاب، وهي أماكن كانت عبارة عن غابة متصلة، متعددة الأشجار وممتلئة بالحيوانات، يُروى أن الولي كان يتنقل حافي القدمين، تتدلى خلف ظهره ضفيرة من شعر رأسه، وذلك حسب ما ورد في كتاب “شعائر وأسرار أضرحة الدار البيضاء” للدكتور مصطفى أخميس.
وحسب ما أفادت به جمعية “ذاكرة البيضاء”، فإن الرجل اشتهر بعزف الناي كما كان يمشي مرددا أذكاره وأدعيته ثم يقف عند كل لحظة غروب ليراقب الشمس وهي تنغمس في مياه البحر..
توالت السنوات ليكتشف بالصدفة جزيرة صغيرة عند مقدمة البحر بالقرب من الشاطئ الحالي، حيث لجأ إليها واتخذ من إحدى مغاراتها خلوة له قاصدا التعبد والتفرغ للصلاة والذكر، وهو المكان الذي سيحمل اسمه لاحقا.
قصته..
في غياب المعطيات الدقيقة حول قصة هذا الرجل، كثرت الروايات وتضاربت الآراء بشأن حقيقة صاحب الضريح الذي حير المغاربة والباحثين منذ سنوات خلت.
وحسب ما جاء في بعض المصادر التاريخية التي تعنى بقصص الأولياء الصالحين في المغرب، فإن المتصوف أبا شعيب أيوب السارية، كان قد انتقل مشيا على الأقدام من منطقة أزمور إلى أنفا للقائه بعد أن سمع عنه الكثير، كما أوصى سكان المنطقة به خيرا، مع الاهتمام بخدمته والتبرك به. ويوجد قبر سيدي عبد الرحمان الذي يُحكى أنه توفي في ريعان شبابه في إحدى غرف البناية التي شيدها سكان المنطقة خصيصا له.
جورنال أنفو – بشرى بلعابد