سكان سيدي حجاج يعانون الحيف
وجوه شاحبة لفحتها حرارة الشمس، وملامح أرهقها الزمن “الغادر” بسبب التهميش الذي أنهك أصحابها. كان ذلك باديا على محيا ساكنة سيدي حجاج “المنسية” التي تبعد عن مدينة الدار البيضاء بحوالي 100 كيلومتر.
أجمع هؤلاء المواطنون على أن معاناتهم مصدرها غياب أبسط الحقوق المفروض أن ينعموا بها في مغرب 2018. حيث الفضاءات الترفيهية منعدمة و مرافق محتشمة لمستوصفات تستغيث بسبب الخصاص، فضلا عن غياب مراكز للاستماع ودور للشباب ومستوى تعليمي متردي بامتياز. وضع لا يمكن إلا أن يعكس عزلة هؤلاء في مكان تقترب أرضه من شمس حارقة تطل عليهم صباح مساء وهم يئنون تحت وطأة هذا الحيف.
أرض خلاء لا تنبض بالحياة كالتي ألفناها في المدن الحضرية وبعض القرى. حيث على الرغم من المهرجانات السنوية التي تنظم بالمنطقة احتفالا بالتبوريدة كثقافة فولكلورية، ورغم ما تزخر به من خيرات فلاحية ، إلا أنها تعاني خصاصا مهولا في عدد من المرافق العمومية التي تبقى أساسية استجابة لمتطلبات العصر، فليس هناك ما يجعلها تنبض بحياة طبيعية، أمام غياب فضاء للأطفال أو مساحات خضراء كمتنفس لهم، فضلا عن انعدام مراكز الاستماع لاستقبال النساء المعنفات اللاتي يتعرضن لشتى أنواع التعذيب، فألغلبهن يكابدن مرارة العيش بسبب استحواذ العقلية الذكورية التي تحول دون تحقيق طموحهن وأحلامهن في مجالات شتى. ويبقى قطاعي الصحية والتعليم أكثر ضرارا في غياب المرافق والتجهيزات التي تليق بأبناء المنطقة كبشر أولا، ذلك أن تدني المستوى التعليمي وتقاعس بعض المدرسين عن أداء مهامهم بكل أمانة، يجعل التلاميذ بشهادة ساكنة اولاد مراح سيدي حجاج عرضة للهدر المدرسي أمام التسيب الذي تشهده المؤسسات التعليمية بها.
نحو سيدي حجاج
تبعد جماعة سيدي حجاج عن إقليم سطات بحوالي 40 كيلومترا. وأنت في الطريق إليها أول ما سيجدب اهتمامك، هو ألوان الحقول الشاسعة لأراضيها الفلاحية، وهي منطقة تحدها شمالا جماعتا وادي النعناع ولحلاف امزاب، وغربا جماعة رأس العين، وشرقا جماعة امريزك ومن الناحية الجنوبية تحدها بلدية أولاد امراح وجماعة امنيع. أما عدد سكانها فيبلغ حسب آخر إحصاء 18 ألف و 687 نسمة.
ورغم ما تزخر به الجماعة من مؤهلات طبيعية وسياحية وثقافية، إلا انها تعاني خصاصا مهولا في عدد من المرافق، منها الصحية والتعليمية والطرق التي يبدو أنها غير معبدة رغم تزفيتها عشوائيا.
مركز صحي يبعث على الغثيان..
في زيارتنا لمستوصف سيدي حجاج، لم نجده يحمل في البداية أية ملامح تدل على أنه مركزا “صحيا” سوى تسميته التي تعلو بابا حديديا مغطى بالصدأ أصابته عوامل التعرية.
بعد دخولنا إليه، لم نصادف سوى ممرض وحيد كان يهم بإعطاء حقن لبعض الشباب مقتحمين قاعة “العلاج”، حيث الفوضى والأوساخ منتشرة في كل مكان. مشهد تراجيدي ينضح بمعاناة حقيقية للأطر الطبية نفسها التي تكابد قساوة هذه الظروف.
كراسي متآكلة، وقاعات يندى لها الجبين أمام مظهرها العشوائي، حيث النفايات في أبشع صورها.
وضع سيجعلك تتخيل نفسك داخل سجن عتيق أو مكان مختنق يكاد يحبس أنفاسك من شدة ضيقه.
قاعة الولادة.. حدث ولا حرج
تعالت أصوات النساء خاصة في جماعة سيدي حجاج اولاد امراح، حين وجدن أنفسهن أخيرا أمام منبر إعلامي يعبرن له عن معاناتهن الحقيقية. حيث فجرن همومهن احتجاجا على الهشاشة التي تعتري قاعة الولادة. وهو جناح منعزل عن الباب الرئيسي، حيث تعمل “قابلة” بمفردها دون أية مساعدة من الطبيب العام. والسبب لأن دوامه يتوقف عند حدود الساعة 4 زوالا، ما يجعلها تقوم بعملها بمفردها، وسط كومة من التجهيزات المحتشمة، و”راديو” عاطل عن الاشتغال، وغيرها من المعدات التي تراها ضرورية لإنقاذ حياة الأمهات المعرضة للخطر في أية لحظة.
وقد عاين “جورنال أنفو” داخل القاعة سريرا متواضعا، وجدران متآكلة، فضلا عن جهاز تلفزيون لا محل له من الإعراب. وضع يندى له الجبين من شدة قساوته دون أي تدخل من الجهات المسؤولة لإنقاذه.
“اللي عندو يقضي واللي ماعندوش ليه الله”
بهذه العبارة، استهلت سيدة عجوز كلامها متأثرة بما حل بامرأة حامل توفيت السنة الماضي بسبب ما أسمته بخطأ طبي حدث أثناء وضعها لمولودتها، “علما أن الخطأ نفسه حدث مع سيدة أخرى في نفس المستوصف منذ سنوات”.
وقالت السيدة “فاطنة.ن” وهي تنحدر من دوار لوزاغرة البعيدة عن منطقة سيدي حجاج ولاد امراح بـ 7 كيلومتر تقريبا، إن ضعف التجهيزات الطبية عجل بوفاتها، “فلو كانت هناك إمكانيات العلاج لتم إنقاذ حياتها على الفور. لكن ضعف المعدات جعلها تتنقل نحو مستشفى إقليم خريبكة في وضعية صحية حرجة، نتجت عن وفاتها قبل ولوجها إلى المستشفى”.
وعبرت المواطنة عن تذمرها الشديد من تفشي ما أسمته بـ”الزبونية والمحسوبية” داخل المستوصف، “فاللي عندو يقضي واللي ماعندوش ليه الله”، كما أن المواطن “محكور” يواجه معاملة سيئة للغاية، لدرجة أن الطبيب أو الطبيبة لا يكلفان نفسهما عناء فحص المريض بالشكل المطلوب، مكتفيان بالمقابل بتوجيهه نحو أقرب صيدلية لشراء الدواء ولو سيكلف حياته”.
وإذا كان المواطنون يشتكون تردي القطاع الصحي بالمنطقة، فإن الأطر الطبية نفسها تشتكي سوء أحوالها بسبب ظروف اشتغالها غير المناسبة، وهو وضع يجعلها دائما في صراع نفسي مع ذواتها لتحمل مشاقها من جهة، وتحمل مزاجية المواطنين المكهربة من جهة أخرى.
ممرض رفض الكشف عن اسمه، عبر لـ “جورنال أنفو” عن معاناته اليومية قائلا: ” الأدوية للأسف تأتينا من المندوبية “ناقصة”، كما أن المركز الصحي سيدي حجاج لا يتوفر على المبرد الخاص بتلك الأدوية، ما يجعلها تفقد مفعولها باستمرار”.
وقال الممرض، ” إننا نشتغل تحت عناية الله تعالى، فوحده من ينقذ المرضى أما دون ذلك فليس هناك ما يمكن أن يجنب حياته من الخطر، ورغم الوعود التي تلقيناها من مندوبية الوزارة الوصية، تفيد بأن المركز الصحي سيدي حجاج سيتم إعادة تأهيله عما قريب، إلا أن هذا الإصلاح لم تظهر مؤشراته بعد”.
ثقافة “المرا حاشاك” تستحوذ على العقول !
ونحن نتجول بين دواوير جماعة سيدي حجاج، أثار انتباهنا ثقافة “غريبة” يبدو أنها ظلت متوارثة بين قبائل المنطقة منذ سنوات عجاف ، رغم أن عصر الانفتاح أصبح الآن يفرض احترام المرأة وتقديس مكانتها تيمنا بالآيات القرآنية التي يدعو من خلالها الله عز وجل قائلا ” واستوصوا بالنساء خيرا”.
يتعلق الأمر بثقافة “المرا حاشاك” التي قطع المغرب أشواطا مهمة لمحاربتها والقضاء عليها، إلا أنها على ما يبدو لازالت راسخة في أذهان قبيلة “ولاد مزاب” كباقي القبائل التي عجزت الدولة على إقحامها في عالم الانفتاح، وذلك في غياب جمعيات تحسيسية تلعب دورا في إقناعها بمدى أهمية المرأة في بناء المجتمع، وقد لاحظنا غياب جمعيات نسائية كان من المفروض أن تكون متوفرة في غياب أية مبادرة لخلق فضاء للاستماع، لعله ينأى بنساءها وأطفالها عن ظروفهن القاسية.
مكافحات يعانين في صمت
على هامش تواجدنا مؤخرا بمهرجان التبوريدة في نسخته الثالثة، لمحنا عددا من التعاونيات النسائية وهي تستعرض سلعا ومنتوجات تقليدية مميزة. نساء أبدعن في حياكة الزرابي وخياطة الجلباب والقفطان المغربي الأصيل، كما أبدعن في الشعر والزجل وفي فن الطبخ أيضا.
نساء تسلحن بقوة الطموح والإصرار للتمرد على العقلية الذكورة التي تقصي قدراتهن المميزة وإبداعاتهن في مجالات عدة.
تحكي “رفيدي رحمة”، رئيسة جمعية نساء الخير للتنمية، أن العقلية الذكورية تستحوذ على المنطقة بنسبة 90 بالمائة، مستدلة بالتهميش الذي طالهن من قبل الفيدرالية المنظمة للمهرجان الربيعي، والتي قالت “إنها لم تفكر يوما في تمويلنا ودعمنا رغم أننا تعاونيات منضوية تحت لوائها. على الأقل يجب أن تساعدنا على شراء مواد التنظيف لافتراش سلعنا في مثل هذه المناسبة، والأكثر من هذا أننا معرضات للتهميش باستمرار، فلا يتم مثلا استدعاءنا للاجتماعات التي تنعقد ليلا بدعوى أنه لا يمكننا الحضور في وقت متأخر من الليل، وإن يظل مجرد مبرر واهي لإبقاءنا بالبيت وإقصاءنا من المشاركة”.
وأضافت رئيسة الجمعية في حديثها مع “جورنال أنفو”، أن التعاونيات النسائية تحتفل باليوم العالمي للمرأة، كما تقوم بأنشطة موازية دون أن تتلقى أي دعم من السلطات المحلية لتغطية مصاريف تلك الأنشطة، ما يجعلنا نشعر بعزلتنا عن المغرب “النافع” الذي نرى تقدمه في المدن الحضرية، ولعل هذه المفارقة هي من تدفع شباب سيدي حجاج إلى الهجرة السرية حين يجدون أنفسهم محرومون أيضا من أبسط الحقوق، كانعدام فرص الشغل، والتي غالبا ما تكون وراء تفشي البطالة على نحو مخيف”.
أما حبيبة فنان، وهي عضوة بجمعية الوفاء، فعبرت عن تدمرها الشديد من واقع المرأة القروية بمنطقة سيدي حجاج،قائلا : ” نقاسي بمفردنا.. نحمل المنتوجات والبضائع التي نود عرضها في المهرجان على اكتافنا.. حتى أن السلطات المحلية أو الفيدرالية المنضوون تحت لوائها، لا توفر لنا للأسف وسيلة نقل كي تخفف عنا هذا العبئ.. والأكثر من ذلك أنه حين يسدل الستار على المهرجان أو يرخي الليل سدوله، نكون مجبرين على جمع السلع بمفردنا، حيث نغادر المكان ليلا وبالتالي يسلب شعورنا بالخوف من قطاع الطرق متعتنا بالمهرجان وبما نجني منه ولو أن مداخيلنا من وراءه تظل متواضعة”.
الرجال ينعتوننا بالمنحرفات لأننا أحرارا..
في الوقت الذي كنا نصغي إلى أصوات الفاعلات الجمعويات، تقاطرت علينا أصوات نساء أخريات، وجدن منبرنا الفرصة لتفجير همومهن التي لا حدود لها.
نساء تجرعن مرارة العيش بصعوبة بالغة. فالقدر شاء أن يتعايشن مع عقلية “صلبة” ترفض الاعتراف بهن رغم إبداعاتهن في مجالات مختلفة” كالرسم، الطبخ، الموضة، الصناعة التقليدية، الشعر، كتابة الكلمات…
فاطمة التراري، عضوة في فيدرالية ولاد امراح للأعمال الاجتماعية وأيضا في جمعية “قدماء التلاميذ”، كشفت أن الرجال بالمنطقة ينعتون النساء المكافحات الباحثات عن مستقبلهن بالمنحرفات، وهي عقلية ذكورية بامتياز. ” وهذا بسبب تمردنا على ثقافة “المرا حشاك”.
نتائج تقديرية للتلاميذ تغضب أولياء الأمور
في استطلاع للرأي أجراه “جورنال أنفو” مع عدد من سكان جماعة سيدي حجاج، تبين أن هناك تدمرا واضحا في صفوفهم بسبب ما أسموه بالنتائج التقديرية التي يمنحها بعض المدرسين لأبنائهم تفاديا لرسوبهم. فإنجاحهم بمعدل 5 على 10 سيخفف عنهم عبئ مجهود هم في غنى عنه كما جاء على لسان أحد أولياء الأمور.
صورة قاتمة يحملها إذن سكان منطقة سيدي حجاج تجاه هذا القطاع، والذي يعاني -حسبهم- خصاصا مهولا في أساتذة اللغات، خاصة الإنجليزية.
مواطنة “فاطمة.ي” كشفت أن التلميذ الذي لم يصل بعد مستواه الإعدادي، لا يعرف حتى كتابة اسمه، كما يتعثر في القراءة ويعجز عن تركيب جملة مفيدة، والسبب راجع إلى تماطل عدد من المدرسين في أداء مهامهم التعليمية، ” كما أن أغلب التلاميذ يصطدمون بغياب المعلم لسبب من الأسباب، إما بدعوى اجتماعه أو مرضه أو بحجة إضراب معين، وهو وضع يشجع أبناءها على الهدر المدرسي بسهولة”.
جورنال أنفو – بشرى بلعابد