جريدة رقمية مغربية
متجددة على مدار الساعة
اشهار ANAPEC 120×600
اشهار ANAPEC 120×600

“حياة” : بين جراة الابداع و اشكال التلقي

جورنال أنفو _ كريمة حنين

شهدت قناة mbc5، حديثة النشاة و الموجهة بالاساس الى جمهور المغرب العربي، يوم افتتاحها الاحد المنصرم عرض باقة متنوعة من البرامج المغاربية من ضمنها فيلما سينمائيا مغربيا لمخرجه الشاب رؤوف الصباحي “حياة”.

مباشرة بعض عرض احداث هذا الفيلم انهالت موجة من التعليقات السلبية و الساخرة على الفيلم في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، واصفة اياه بالجريء و الرذيء. بين الاغلبية المستنكرة لهذا العمل السينمائي و التي معظمها تمثل “الشعب” المغربي بمختلف فئاته و خلفياته و الاقلية المنوهة بمستوى هذا العمل والمتكونة بالاساس من الطبقة النخبوية من نقاد سينمائيين مغاربة و اجانب ومثقفين سافروا في عمق التركيبة البنيوية و الشكلية للفيلم.

ان عرض فيلم “حياة” يشكل مناسبة مهمة فتحت النقاش من جديد حول مكانة مايسمى “سينما الواقع” في المغرب ودفعتنا الى طرح مجموعة من التساؤلات الجوهرية : هل لهذه الاغلبية التي تحدثنا عنها ثقافة سينمائية كافية للحكم على مستوى أي عمل سينمائي ؟ والى أي مدى يعتبر وجود عنصر الجراة في السينما وان كان هادفا مستنكرا من طرف الاغلبية من خلال الفاظ من قبيل “عيب” “حشومة” ؟متى سيتم الاعتراف ب”سينما الواقع” التي اصبحنا نشهدها حاليا كعنصر مهم تفرضه طبيعة تطور المشهد السينمائي المغربي ؟وهل هذا الاعتراف كفيل بجعل المغاربة متصالحين مع واقهم بكافة اشكاله و بالتالي مع الاعمال السينمائية المجسدة له؟ اسئلة ضمن العديد لا زالت تفرض نفسها كمادة دسمة للنقاش و البحث.

لاجدال كون فيلم “حياة”كنموذج لسينما الواقع ليس الاول و الاخير الذي يثير ضجة في المشهد السينمائي المغربي فقد سبقته افلام و افلام لكن المميز في هذا العمل كونه كان مبرمجا ضمن لائحة البرامج الافتتاحية للقناة مما جعل عددا من الاعتقادات و الاتهامات للقناة و مموليها تاخد طريقها في النشاة و التطور.
يتطرق الفيلم ( انتاج 2017) لإشكالية الوجود الإنساني في صراعه مع ذاته ومع الآخر وصراعه اليومي لتأمين لقمة العيش له ولعائلته والبحث عن صفاء الذات وخلاصها من اليَومِيّ القاتل الذي يعيشه الإنسان المغربي.

وتدور أحداث فيلم “حياة” ، في سفر شبيه بحياة إنسان، له نقطة انطلاق ونقطة وصول، و تتخلله عبر محطات متتالية جلسات شبه مغلقة يكتشف المشاهد من خلالها شخصيات وعقليات مختلفة في تصوراتها ومواقفها ومرجعياتها الثقافية، حيث يدور الخط السردي للفيلم، على متن حافلة تقطع عدة مدن مغربية، وتحمل على متنها أصنافا من الأشخاص سمحت لهم الرحلة بنسج علاقات متداخلة في ما بينهم، ومكنتهم من الدخول في تبادلات ومشاداة بعضها لطيف، وبعضها طريف إلى حد الصدمة، ولكنها تظل عاكسة لما يمكن أن يحدث أثناء الاجتماع البشري داخل الفضاءات الخاصة والعامة.

تنتمي الشخصيات المختارة بعناية إلى أجيال وعوالم مختلفة فهناك المعارض المثقف والمناضل السياسي (إدريس الروخ) الذي اختار فرنسا منفى اختياريا لمدة 25 سنة، وهناك العسكري المتقاعد (عز العرب الكغاط) الذي حارب مع الجيش الفرنسي في الهند الصينية والحرب العالمية الثانية، وهناك أيضا الإسلامي المتطرف (مالك أخميس) وزوجته المنقبة (صباح بن الصديق)، ومن بين المسافرين أيضا (عبدالرحيم المنياري) الأب المحافظ، الذي لا يحسن التعامل مع ابنته المراهقة، وشخصيات أخرى منها الطالبة التي احترفت البغاء بفرنسا بدل الدراسة، إضافة إلى سائق الحافلة (كريم السعيدي) ومساعده (المهدي فلان).

اختار رؤوف الصباحي خوض غمار الدراما عبر نوع صعب من الأعمال السينمائية يتمثل في ” أفلام الطريق”، والاستناد إلى فكرة السفر كفلسفة ناظمة لرؤيته الموضوعاتية لأمر في منتهى المغامرة. وقد جاءت تجربة فيلم”حياة” للصباحي مختلفة عن عمله السينمائي الاول “الفردي “حيث تعامل مع مجموعة كبيرة من الأسماء الفنية المغربية المتميزة، و التي تنتمي إلى أجيال ومدارس فنية مختلفة. في الفيلم محاولة لتسليط الضوء على مجموعة من المواقف التي تعترض عددا من الأشخاص بأفكار مختلفة في رحلة يمتزج فيها الفرح بالألم، والذي عبر عنه الفنانون المشاركون في هذا العمل السينمائي.

وقد نوه العديد من النقاد السينمائيين بمخرج الفيلم الشاب رؤوف الصباحي، وكذا منتجه الشاب محمد كغاط، نيابة عن طاقم الفيلم لأنهم يجسدون انتصار إرادة الشباب الطموح و الشغوف بالسينما الهادفة، و التي توصل عدة رسائل عن الطريق الصورة و تلخص عدة حوارات ثنائية من خلال مشاهد تارة حزينة.

والجدير بالذكر أن فيلم “حياة” سبق و أن حصل على العديد من الجوائز في عدد من المحافل السينمائية الوطنية والدولية، من بينها جائزة أفضل صورة في الدورة الأخيرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وجائزة أفضل فيلم في الدورة الثامنة لمهرجان الفيلم الإفريقي بهيلسينكي بفنلندا، وجائزة بلاتينيوم ريمي لأفضل مخرج أجنبي في الدورة 50 لمهرجان ريمي أوارد بهيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.