هذه طرق المشعوذين لاصطياد الكنوز الدفينة!
جورنال أنفو – بشرى بلعابد
قد نعلم الشيء الكثير عن مستخرجي الكنوز والعصابات الممتهنة لهذه الحرفة، لكننا نجهل الوسائل والطرق التي تمكنهم من العثور على تلك الكنوز واصطيادها.
أسرار خفية كشفتها جريدة “جورنال أنفو” بعد سبرها أغوار هذا العالم المظلم ومجالستها مع أحد المشعوذين الذي نقل لها بعض الوسائل التي يعتمدها الدجالين أثناء عملية التنقيب عن الكنز المفقود !
الكنوز الدفينة.. ودائع الناس تحت الأرض
العديد يطرح تساؤلاتهم حول كيفية وصول ما بات يعرف بالكنوز الدفينة إلى باطن الأرض، وهو سؤال يمكن ربط إجابته بما ورد في بعض المصادر التاريخية التي تحدثت عن هذا الموضوع.
ذكرت تلك المصادر من بينها مقدمة ابن خلدون أن المغرب سادته في عهد حكم السلاطين أي منذ قرون من الزمن حالة من التوتر والتناحر بين القبائل، وهو واقع فرض على الناس الأغنياء ذفن ممتلكاتهم تحت الأرض حفاظا عليها من سطو قُطاع الطرق والجيوش الغازية.
كان دفن المجوهرات والحلي أحد أنجع الوسائل التي كان يفضلها السكان الأولون في المغرب، وذلك لحمايتها من أي سرقة محتملة، وهي عملية كانت تتم عن طريق “التعزيم” أي بتلاوة تعويدات شركية قصد بسط سيطرة جني تابع للمعزِّم على الكنز، و عدم تمكين أحد منها ما لم يُعِدْ صياغة و قراءة نفس التلاوة.و
أسرار استخراج الكنوز !
في زيارة ميدانية قامت بها “جورنال أنفو” إلى سوق “جميعة” المعروف بالدار البيضاء، وهو أشهر الأسواق الشعبية المتواجدة بدرب سلطان، حيث يحج المغاربة إليها من كل حدب وصوب، إما لشراء ما يسمى بـ “التفوسيخا” لطرد العين أو السحر، أو لمعرفة “الطالع” وما يخفيه عالم الغيب، والتي تبقى من اختصاص “الشواف” أو “الفقيه”.
هؤلاء السحرة يتخذون دكاكين صغيرة مكانا مناسبا لهم وهي محلات لا تتعدى مساحتها مترين أو ثلاثة، حيث يقومون بقراءة الطالع، وأحيانا أخرى بإخضاع الزبون لعملية التبخر بماء “اللدون” أو “الرصاص” وهو معدن فضي يتم تذويبه وسكبه في إناء به ماء لينتج عنه بخار وهنا على الزبون أن يضعه بين رجليه كي يتمكن من فك طلاسيم السحر المصاب به وإبطاله.
هؤلاء السحرة أو “الشوافة” تجد كل واحد منهم في محله الصغير المليء بأكياس الأعشاب المختلفة والتي تُستعمل في الأعمال السحرية التي يقومون بها، يدعون أنهم يعرفون ما يدور في حياة زائريهم وما سيحدث في مستقبلهم، ويكتبون رموزا غريبة على ورقة بيضاء، حيث يخبرونك بحظك في الحب والزواج والأولاد والمال والحياة العملية، ثم يدعونك لاقتناء إحدى وصفاتهم لمحاربة العين التي تصيبك من مُقربيك بسبب الحسد.
بعض فقهاء “جميعة” فضلوا التكتم على طرق استخراج الكنوز الدفينة، مدعين أنهم لا يعرفون شيئا عن هذا الموضوع وأن هذا ليس من اختصاصهم، كما رفضوا توجيهنا إلى مكان تواجد الفقهاء والسحرة الذين يقومون بمثل هذه الأعمال.
غير أن الفقيه (خ.ب) كشف في تصريح لـ “جورنال أنفو” بعض الطرق التي يعتمد عليها “صيادو الكنوز” لاستخراج ما يُعرف بـ “الكنوز الدفينة”، موضحا أن من بين تلك الطرق ما يُسمى بعملية الاستنزال، وهي عملية تتطلب التوفر على ماء خاص يبلغ ثمنه 20 ألف درهم، ويباع في الدكاكين الشعبية المختصة في بيع المواد المستعملة في السحر وطرد العين والجن، وفقط في مدينة مراكش.
“هذا الماء يُمكن الساحر من العثور على الكنز، حيث يُرش على القطعة الأرضية التي يُحتمل أن يتواجد فيها الكنز النفيس، ويُعطي إشارات معينة تُمكن الفقهاء من التأكد من وجوده”، يقول (خ.ب) لـ “جورنال أنفو”، مضيفا أن “هناك وسائل أخرى للتعرف على مكان الكنز الدفين كاستعمال أنواع معينة من البخور، بالإضافة إلى الاستعانة بآيات قرآنية وتعويذات خاصة تساعدهم على استخراجها من باطن الأرض”.
استخراج الكنوز الدفينة موضوع حساس جدا، فحسب (خ.ب)، “يخشى الكثير من الفقهاء والسحرة المتخصصين في هذا المجال التحدث عنه أمام الملأ أو في الهاتف، لأنهم مهددون بعقوبة تصل إلى أربع سنوات سجنا نافذا، نظرا لأن هذه الكنوز تبقى في جميع الأحوال في ملكية الدولة”.
يستعين الفقهاء والسحرة الذين ينقبون عن الكنوز القديمة تحت الأرض أو في أعماق البحار بخدمات الجن. يقول (خ.ب) لـ “جورنال أنفو”: “هذه الخدمات لا تُقدم إلى في حالة استجابة الفقيه لشروط الجن وتقديمه بعض القرابين كأن يتبول على القرآن أو يتلوه بالمقلوب وفي الغالب تقديم الأطفال الزُهريين قربانا لهم، من خلال ذبحهم واقتلاع أعينهم اليمنى وفق الطقوس الخاصة التي تمكنهم في النهاية من العثور على الكنوز الدفينة وهي جريمة خطيرة على المشرع أن ينفد عقوبة الإعدام في حقهم دون تردد”.
سوس .. مكان العارفين بالكنوز
“ينحدر أغلب العارفين بخبايا هذا العالم المظلم من منطقتي تارودانت وتيزنيت، وسوس بصفة عامة”.، يؤكد “ش. ر) فقيه بـ “جميعة” بالدار البيضاء لـ “جورنال أنفو”.
ويرى الكثير من المغاربة أن السوسي مرادف للفقيه والعارف بعالم الماورائيات، وهو ما تحيل إليه الكثير من الدراسات المقتطفة من كتب قديمة، حيث تتحدث عن اليهود البربر بمنطقة سوس كونُهم أول من دون ورسم الطرق المعروفة حاليا في تتبع أماكن الكنوز وطرق استخراجها.
وعن هؤلاء يقول بن خلدون في مقدمته: “أعرف أن كثيرا من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض، ويبتغون الكسب من ذلك، ويعتقدون أن أموال الأمم السالفة مختزنة كلها تحت الأرض مختوم عليها كلها بطلاسم سحرية، لا يفض ختامها من ذلك إلا من عثر على علمه واستحضر ما يحله من البخور والدعاء والقربان.
صيادو الكنوز.. قتل، سرقة وابتزاز !
جرائم بشعة، تلك التي خطط لها ونفذها عدد من صيادي الكنوز في مختلف المدن المغربية، راح ضحيتها أطفالا أبرياء ذنبهم الوحيد أنهم زهريون، وآخرون وضعوا ثقتهم في عصابات أرغمتهم على استنزاف ما يملكونه للحصول على ثروة مزعومة تدعى “الكنز الدفين”.
هذا المصطلح كما يسميه أهل منطقة سوس، ليس مجرد قيمة مالية يتسابق عليها أهل الشر والطمع للاغتناء منها في ظرف وجيز، وإنما هو تحديا بالنسبة للكثيرين منهم، ليثبت مدى تضلع هذا “الفقيه” أو ذاك في ميدان الروحانيات، وكدا قدرته على مواجهة الجن وإرغامه على التخلي عن كنز ظل قابعا عليه منذ قرون خلت.
ويبقى التبرع بالأعضاء البشرية للزهريين وإهدائها قربانا للجن، إحدى أهم الوسائل التي يستعين بها المشعوذون لاستخراج الكنوز الدفينة من باطن الأرض.
من هو الشخص الزهري؟
هو إنسان ذكر أو أنثى قصير النظر – لا يستطيع رؤية الأشياء البعيدة- ومن علاماته التي تميزه عن باقي البشر، وجود خط متصل يقطع راحة يده بشكل عرضي، وقد تكون له علامة أخرى على مستوى لسانه بحيث يكون مفلوقا أي يقطع صفحة لسانه خط بشكل طولي، ويضيف البعض أن شكل عينيه يختلف تماما عن باقي الأعين الأدمية، حيث تتميز ببريق خاص، كما يمكن أن يتميز باختلاف بينهما وهذا الاختلاف عبارة عن تمزق غير واضح في منتهى الجفن..
وتذهب الذاكرة الخرافية الشعبية إلى أن أصل الطفل الزوهري هو الجن وقصته ترجع إلى لحظة الولادة حيث تم استبداله بأحد أبناء البشر… فهو كائن غير عادي يرى أحيانا أشياء لا يراها البشر…كما أنه لا يتأثر بالسحر أو الطلاسم أو ما شابه ذلك.
ويعتبر الزهري في عرف المشعوذين، مفتاح الكنوز المختبئة تحت باطن الأرض، ولأنه مرتبط بالجن (لاعتباره أحد أبنائهم) فهو لا يخاف من الجن حتى وإن اقترب من الكنز الذي يحرسه زبانيتهم… لهذا الغرض يلجأ “المشعوذون” للاستعانة به لكشف الكنوز ونقلها مباشرة بعد ما تظهر معالمها..
الزُهريون واستخراج الكنوز..
وردت في عدد من التقارير الإعلامية السابقة قصصا مخيفة لمشعوذين استغلوا الأطفال الزهريين أبشع استغلال لحصولهم على الثروة.
يحكي أحد “الفقهاء” بحكم معرفته بخبايا هذا الموضوع في تصريح لـ “جورنال أنفو”، أن المشعوذين الذين يرتكبون جرائم بشعة مقابل العثور على كنز ما، يتربصون عادة بالأطفال الزهرين عن بعد، ومن ثم استدراجهم بطرق احتيالية، وبعد أن يحددا المكان الذي يُعتقد فيه وجود الكنز، يأتون بالضحية إلى نفس المكان حيث يقومون بذبحه وباستغلال أعضائه وإهدائها قربانا للجن، وهي طريقة تمكنهم من استخراج الكنز من باطن الأرض.
وروى المتحدث نفسه قصصا تقشعر لها الأبدان، كانت عبارة عن جريمة قتل راح ضحيتها طفل لا يتعدى 10 سنوات ويدعى “ياسين”.
هاته القصة تعود إلى ثلاث سنوات من الآن، حين قدم “فقيه” يدعى الحاج حمد ومساعده من منطقة سوس إلى الدار البيضاء، في رحلة البحث عن الأطفال الزهريين.
كان المجرمون يستعينون بوسيطة “امرأة”، كانوا يدفعون لها 1000 درهم مقابل كل طفل زهري تأتي به ،فكان بينهم ضحية في ربيعه العاشر، تم استدراجه واختطافه ومن ثم ذبحه في مكان بمنطقة سوس، وبالضبط بواد بورحيل، حيث اعتقدوا بوجود الكنز.
هذا الحادث اهتز له الرأي العام المغربي آنذاك، واستنفر رجال الشرطة القضائية الذين تمكنوا في النهاية من إلقاء القبض على الظنينين، قبل أن تصدر في حقهما المحكمة، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، عقوبة الإعدام.
عصابة تختلس 300 مليون مقابل كنز لم يخرج بعد !
بتهمة تنفيذها لعدة عمليات نصب جمعت خلالها ملايين السنتيمات، تم تفكيك عصابة تستعين بالدجل وتوهم الضحايا بإمكانية استخراج الكنوز.
في منطقة الفقيه ابن صالح، حدثت واقعة شائكة، راح ضحيتها شخص ساذج كان يمتلك العمارات ومحلات تجارية، قبل ان يقع في فخ النصب والاحتيال من قبل عصابة تضم مغاربة وأجانب، أرغمته على استنزاف كل ما بحوزته لاستخراج كنز أوهمته بأنه مدفون تحت بيته وهو عبارة عن ذهب خالص قيمته 75 مليار سنتيم.
شروط تعجيزية خضع لها الضحية ويدعى “م.الفلوس” لمدة ثلاث سنوات، حيث استنزف أموالا مهمة وصلت إلى 300 مليون سنتيم، مقابل كنز لم يخرج بعد إلى الوجود.
تحكي الزوجة أنه منذ أن علم زوجها الضحية بوجود كنز تحت البيت، لم يعد يحدثها كما لم يعد يجتمع مع أولاده، يقضي معظم أوقاته خارج البيت رفقة شخصين، سلبا منه المال لمدة ثلاث سنوات، إلى أن اضطرت عائلته إلى إشعار السلطات الأمنية حول الموضوع.
تابع المتهمان مخطط النصب والاحتيال على المواطنين إلى أن وقعا في قبضة الأمن عقب شكاية تقدم بها شخص يقطن بدوار بني عون إلى السلطات بعد أن نجح في الافلات من قبضتهما.
يحكي المواطن أن المتهمين طلبا منه 15 مليون سنتيم مقابل مساعدته على استخراج الكنز في منطقة تابعة له وهي عبارة عن بقعة ارضية يستغلها في الحرث والحصاد، وبعد أن فطن للأمر، أشعر المصالح الأمنية بالموضوع، لتتم مداهمة منزلي الظنينين وتعميق البحث معهما، حيث عثرت الشرطة القضائية على مبالغ مالية مهمة، كانت مخبئة في المصاحف ليتضح أن للأمر علاقة بعصابة من حفظة القرآن، ليتم إحالتهما إلى وكيل الملك، ثم الزج بهما خلف القضبان تحت عقوبة حبسية وصلت إلى سنتين حبسا نافذة وتعويض عائلة الضحية الفلوس مبلغ 230 مليون سنتيم.
للمواطنين مواقف متباينة..
في استطلاع للرأي أجرته “جورنال أنفو” لمعرفة ارتسامات المواطنين ومواقفهم من هذا الموضوع، تبين أن بعضهم يعتقد فعلا بقدرة الساحر أو “الفقيه” على استخراج الكنوز من باطن الأرض، وذلك لامتلاكه قوى خارقة يمنحها إليه الجان كي تساعده في العثور عليها، وهي حقيقة يرونها واردة في الكتاب والسنة، أما باقي المواطنين فرفض معظمهم الاعتقاد بذلك.
سألنا “خالد.م”، عميد شرطة، عن مدى صحة ما يروج حول استخراج الكنوز، فكان رده كالتالي: ” أنا لا أؤمن بالمشعوذين، خاصة الذين يدعون منهم القدرة على استخراج الكنوز، فهؤلاء مجرد نصابين ومحتالين ولا يمكن المراهنة عليهم، فكم من ضحية نصبوا لها الفخ وأوقعوا بها بعد أن تبين لهم سذاجتها وجهلها بمثل هذه الأمور، لذا فاستخراج الكنوز تبقى مجرد خرافة لا أساس لها من الصحة”.
أما “محمد.م” وهو شاب يعمل في شركة نظافة، فاعترف بوجود الكنوز الدفينة تحت الأرض، وهو يرى أنها في ملكية أشخاص اضطروا إلى دفنها منذ قرون خلت خشية من أن تُسلب منهم، فلم يجدوا مكانا يؤم ممتلكاتهم سوى باطن الأرض.
وقال المتحدث، إن صيادي الكنوز مجرد دجالين، يستغلون جهل المواطنين في السطو على كل ما يملكونه مقابل إيهامه بوجود كنز لا أثر له، كما أنه من الناحية العلمية، أصبحت الآن آلة حديثة متخصصة، وهي تُعطي إشارات على وجود معدن أو كنز تحت الأرض، أما أن نعتمد على ما يقوم به الدجالين، فهذا تخلف”.
من جهتها، تساءلت “خديجة.ف” ربة بيت، عن الجدوى من اعتقاد هذه الأمور، رغم أنها تبقى وهمية ولا أساس لها من الصحة، خاصة في ظل الجرائم التي يرتكبها “الفقهاء” من خلال استمالة ضحاياهم والسطو على ممتلكاتهم مقابل كنز لا وجود له أصلا.
واعتبرت المتحدثة أن القرن 21، قد غير عددا من الاعتقادات الشعبية التي كانت سائدة فيما قبل داخل مجتمعنا، وأصبحت بالمقابل الحداثة والتطور العلمي هي أساس حاضرنا، وبالتالي فالاستعانة بالدجالين والمشعوذين أصبح متجاوزا ولم يعد له مكانة في بلدنا المغرب”.
أما “سليمة.أ” طالبة بكلية الحقوق بالبيضاء، فلم يكن رأيها يختلف عن الآراء السابقة التي ترى في تصديق “الفقهاء” تخلفا وتمردا عن الدين الإسلامي، معتبرة أن لو كان الدجال بمقدوره استخراج الكنوز من أعالي البحار أو تحت الأرض لما احتاج إلى عمل أو لجأ إلى مواطن كي يطالبه بمقابل مادي على ذلك”.
وتذكرت المواطنة شخصا تعرفه، حالفه الحظ في العثور على كنز ثمين من تلقاء نفسه، وجده تحت بيته حين أراد بناؤه أول مرة في دوار العليوات بإقليم الجديدة، وبفضل ذلك الكنز اغتنى واصبح بملك أراضي وبنايات عديدة، ولو كان قد استعان بالمشعوذ، لخسر كل شيء ولن يجد في النهاية سوى السراب”.
* الشيخ محمد الفيزازي : الاعتقاد بالدجالين والمشعوذين سببه الجهل والابتعاد عن الله
– ورد في عدد من الأحاديث النبوية الشريفة كلمة الركاز وتعني الكنوز الدفينة، لكن ما حكم الشرع في استخراجها وكيف تتم؟
أولا ما يسمى بالركاز على اختلاف قول الأئمة فيه، ينقسم إلى قسمين، فهناك من يرى أن البترول والمعادن الجوفية أيضا من الركاز، بالمقابل هناك من يحصر هذا المفهوم فيما دفن في باطن الأرض من أموال أو من نفائس وكنوز، وهي ممتلكات غير جائزة بالنسبة لمن عثر عليها، فلا يجوز أخذها بالباطل على اعتبار أنها من مال الأمة أو في ملكية الدولة بلغة العصر، فحين ذكرت الأحاديث الشريفة كلمة الركاز، فهي تنص على أن يتم استخراجها بطرق صحيحة ومشروعة، سواء من خلال خريطة تتبث علميا أن الكنز مدفون في مكان ما ، أو بآلات متطورة دون الاستعانة بالمشعوذين وخططهم الشيطانية، وفي حالة العثور على الكنز على الشخص أن يسلمه للمالك لا أن يستحوذ عليه، والمالك هنا يكون في الغالب هو الدولة.
لكن ما قولك في استعانة بعض المشعوذين بآيات قرآنية وبعض أسماء الله الحسنى في استخراج تلك الكنوز، فما علاقة القرآن الكريم بذلك؟
القرآن الكريم جاء لإظهار الحق وإزهاق الباطل، والله عز وجل لعن من خلاله الشرك والضلالة وأخذ أموال الناس بالباطل، وبالتالي من سابع المستحيلات أن تكون للكتاب الحكيم علاقة بهذا، قد يحرفونه ويستعملون مرادفات لأسماء الله الحسنى دون أن تكون مطابقة للأصل، وهي إحدى الاساليب الشيطانية التي يعتمدونها، فأغلب الفقهاء، الذين لا يحملون من الفقه سوى الاسم، قد يأتون مثلا بخرائط وهمية ثم بعد ذلك يتحايلون على الناس ويأخذونهم إلى مقبرة أو شجرة ليوهموهم بوجود كنز نفيس، وذلك وفق خريطة مدروسة تساعدهم في إقناع الضحية.
نلاحظ ان استخراج الكنوز أصبحت ظاهرة منتشرة بقوة داخل مجتمعنا، كما أن الاعتقاد بها أضحى سائدا في السنوات الأخيرة ، ما السبب برأيك ؟
أعتبر ذلك من المظاهر السلبية التي لازالت فعلا راسخة في المخيلة الشعبية لدى بعض المواطنين، فالسحر والشعوذة والدجل و”التوكال” وما يفعله الناس في المقابر والأضرحة والتمسح بالقبور والدعاء لغير الله والاستعانة بدونه، كلها مظاهر أعتبرها منحطة جدا، سببها قلة الوعي بالعقيدة والابتعاد عن الخالق عز وجل وضعف الإيمان، والجهل والتجاهل، إذ هناك من يعلم بحرمة الاشياء ومع ذلك يتعمد الوقوع فيها.
عبد الرحيم العطواني: عقوبة استخراج الكنوز من مكان عمومي مع النصب والاحتيال قد تصل إلى خمس سنوات
* محامي بهيئة الدار البيضاء
– ما حكم استخراج الكنوز الدفينة كعقوبة في القانون الجنائي؟
طبعا هناك نصوصا جنائية تعمل على زجر هذا النوع من الأعمال التي تقوم باستخراج الكنوز الدفينة، على اعتبار أن المشرع المغربي حينما حدد هذه النصوص والمعاقبة عليها جنائيا، أشار إلى أنه من عثر على كنز ولم يُشعر به السلطات المحلية، حدد له عقوبة سالبة للحرية.
فالجواب عن هذا السؤال يمكن تقسيمه إلى قسمين، أولا حين يكون الإنسان يعمل على العثور لاستخراج كنز ما من ضيعته أو بيته، فهذا يبقى من حقه دون الحاجة إلى إشعار السلطات المحلية، لأن هذا ما يصطلح عليه في لغة القانون بالإحراز المباح، أي كل ما هو مباح فهو يعود إلى صاحبه، لكن أن يقوم بالتنقيب على الكنز في مكان عمومي، فهذا ليس من حقه لأنه في ملكية الدولة، وهنا تطاله عقوبة جنائية.
ثانيا حينما يتعلق الأمر باستخراج الكنوز الدفينة ، فالمشرع لا نجده يعاقب استخراج الكنز وإنما يعاقب الطريقة التي تم بها كالشعوذة مثلا، فكم من فئة من المشعوذين يعملون بطريقة دنيئة، يستولون من خلالها على ضعاف العقول، كأن يطلبوا منهم مبالغ مهمة مقابل استخراج كنز قد يكون في الغالب لا وجود له، وبالتالي فهاته الأعمال في حد ذاتها غير مشروعة، فهنا تدخل جريمة النصب والاحتيال على الخط، وتصبح العقوبة بين سنتين فما فوق..
– نلاحظ أن القانون جد متساهل مع جرائم النبش في القبور واستخراج الكنوز رغم تنامي هذه الظاهرة ببلدنا، فالملاحظ بناء على الاحكام الصادر في حق صيادي الكنوز قد لا تتجاوز في الغالب بضعة أشهر ليعودوا بعد مدة من السجن لاستكمال نشاطهم، فما موقفك كخبير قانوني من هذا الأمر؟
عادة العقوبة السالبة للحرية لا تتعدى ستة أشهر، وتبقى الصلاحية في يد القاضي التي قد يجعلها موقوفة التنفيذ، فالشيء راجع إلى طبيعة الجرم المرتكب، بحيث قد تصل تلك العقوبة إلى سنتين في حالة ما إذا كانت مخللة بالنصب والاحتيال، كما أن عقوبة النصب قد تصل إلى خمس سنوات طبعا، كمن يستخرجون الكنوز داخل البيوت من غير أهلها هذا ايضا يعد سطوا وله عقوبة جنائية جد مرتفعة.
– هل هاته العقوبة برأيكم كافية لردع أصحابها عن ارتكاب مثل هذه الجريمة؟
عقوبة 6 أشهر أعتقد أنها قاسية مادام لم يحدث أي اعتداء على شخص معين، ولكن عندما يكون استخراج الكنز مصحوبا بأعمال إجرامية كالنصب والاحتيال وفق الفصل 118 من القانون الجنائي والذي يقول “إن الفعل الذي يوصف بأوصاف متعددة، فيجب أن يوصف بأشدها”، فالعقوبة هنا يمكن أن تصل إلى 5 سنوات حبسا بدون غرامة.
* فإذا كان الحكم قد أنصف شيئا ما ضحايا هؤلاء الدجالين، فإن التاريخ لم يجد للأسف من ينصفه من صيادي الكنوز الذين حفروا وخربوا المآثر التاريخية كما هو الشأن بالنسبة للقصبة الزيدانية ببني ملال، وهي ظاهرة خطيرة أضحت تهدد الحرمات والممتلكات الخاصة منها، والتي هي ملك لهذا الوطن..